فهذا « الآلوسي البغدادي » يكتب في تفسيره عند دراسة وتحليل هذه الحادثة : النكتة في نصب الامير كرم الله تعالى وجهه مبلّغا نقض العهد في ذلك المحفل ان الصّديق رضي الله تعالى عنه لما كان مظهرا لصفة الرحمة والجمال كما يرشد إليه ما تقدم في حديث الاسراء ولما كان علي كرم الله وجهه والذي هو أسد الله ومظهر جلاله فوض إليه نقض عهد الكافرين الذي هو من آثار الجلال وصفات القهر (١).
إن هذا التفسير النابع من منبع التعصّب لا ينسجم مع كلام رسول الله صلىاللهعليهوآله لأنه قال عند الإجابة على أبي بكر : « إنّ هذه الآي لا يؤدّيها إلاّ أنا أو رجل منّي » أي لا يصلح لأدائها غير هذين الرجلين وليس في هذا الكلام أي اشارة إلى الرأفة والشجاعة.
هذا مضافا إلى أن رسول الله صلىاللهعليهوآله المظهر الكامل للرحمة والرأفة وبناء على ما قاله الآلوسي يجب أن لا يكلف حتى رسول الله صلىاللهعليهوآله بابلاغ هذه الآيات ، على حين أن الوحي قال : هذه الآيات لا يؤديها إلاّ أنت أو رجل منك ».
ولقد برّر جماعة اخرى هذا المطلب بنحو آخر فقالوا : لقد كان التقليد المتّبع عند العرب في نقض العهود مهما كانت هو ان يقدم نفس الموقّع على العهد أو أحد أنسبائه على نبذ العهد ونقضه ، اذ في غير هذه الصورة كان المتعارف عندهم أن يبقى العهد على حاله ، وحيث إن علي بن أبي طالب كان من اقرباء النبي لهذا كلّف بإبلاغ هذه الآيات التي تضمنت نبذ العهد.
ولكن هذا التفسير والتوجيه غير مقنع ، لأنه كان ثمة بين أقرباء رسول الله صلىاللهعليهوآله من هو أقرب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله مثل عمّه العباس ، فلما ذا لم يكلّف بابلاغ آيات البراءة ، ونبذ العهد الى المشركين.
__________________
(١) روح المعاني : ج ١٠ ص ٤٥ تفسير سورة التوبة.