ولما رأت تلك المرأة هذا الجدّ من علي عليهالسلام وكانت تعرف أن عليّا لا يتركها حتى ينفّذ أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله قالت : أعرض ، فأعرض عليّ ، فحلّت ضفائر شعرها فاستخرجت الكتاب منها ، فدفعته إليه ، فأتى به رسول الله صلىاللهعليهوآله .
فانزعج رسول الله صلىاللهعليهوآله لفعل « حاطب » وكان من المسلمين السابقين ، فدعاه من فوره وقال له عاتبا ومستفهما : يا حاطب ما حملك على هذا؟
فحلف حاطب بالله وبرسوله أنه لم يقصد شرا ، وقال : يا رسول الله ، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ، ما غيّرت ولا بدّلت ، ولكنّي كنت امرأ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة ، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليه!!
ويستفاد من اعتذار حاطب هذا أن أسياد قريش كانوا يضغطون على من تخلّف في مكة من أقارب المهاجرين وعوائلهم ، ويؤذونهم ، ولا يتركون أذاهم إلاّ إذا حصلوا منهم على أسرار المسلمين بالمدينة.
وهذا الاعتذار وان كان غير وجيه ، لأن ذلك لا يبرر إفشاء أسرار المسلمين لأعدائهم الحاقدين ، غير أن رسول الله صلىاللهعليهوآله أصفح عنه ، وخلى سبيله لمصالح معينة منها : سابقة « حاطب » في الإسلام.
إلاّ أنّ « عمر بن الخطاب » طلب من رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يضرب عنقه ، فقال له النبي صلىاللهعليهوآله :
« وما يدريك يا عمر لعلّ الله اطّلع يوم بدر على أصحاب بدر فقال : أعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم » (١).
ولكي لا يتكرر مثل هذا العمل الخطر والاثيم أنزل الله سبحانه قرآنا بهذا الشأن في عدة آيات اذ يقول :
__________________
(١) امتاع الاسماع : ج ١ ص ٣٦٣ وغيره.