الله والمسلمين (١).
ويشهد على هذه النزعة ـ بجلاء ووضوح ـ موقفهم من زواج رسول الله صلىاللهعليهوآله بزينب بنت جحش وما نسجوه من قضايا خياليّة حول هذه القضية ، التي وقعت بهدف إبطال سنة باطلة ، فأعطوها صبغة قصص الحب وأساطير الغرام على طريقة القصّاصين والروائيين وديدنهم ، وعمدوا إلى حكاية تاريخية مختلقة وضخّموها ونفخوا فيها ونسبوه إلى أطهر إنسان عرفه العالم البشري.
وعلى كل حال فان أساس هذه الاسطورة عبارات نقلها ابن الأثير (٢) ومن قبله الطبري (٣) وبعض المفسّرين ، وهي أنه : خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله يريد زيدا وعلى الباب ستر من شعر فرفعته الريح فرآها وهي حاسرة فأعجبته!!!
ولكن المستشرقين بدل أن يتحققوا من سند هذه الأقوال ، لم يكتفوا بنص ما ذكره اولئك المؤرّخون والمفسرون ، بل الصقوا به الكثير الكثير حتى تحوّلت تلك الجمل العابرة إلى قصة تشبه أقاصيص ألف ليلة وليلة.
إنّ من المؤكّد أنّ الذين يعرفون سيرة رسول الله صلىاللهعليهوآله الطاهرة يدركون أنّ هذا التاريخ إنّما هو في أصله وفرعه من نسج الخيال ، وصنع الأوهام ، وانها تخالف ما في صفحات التاريخ النبويّ الوضاءة النقيّة مخالفة كاملة ، الى درجة أن علماء معروفين كالفخر الرازي والآلوسي كذّبوا هذه القصة بشكلها الذي ذكرها ابن الاثير والطبري بصراحة كاملة وقالوا : إن هذه الرواية رواية باطلة زوّرها واختلقها أعداء الاسلام ، وراجت في كتب المؤلفين المسلمين (٤).
فكيف يمكن القول بأنّ هذه القصة وبهذه الكيفية كانت مما يعتقد بصحته
__________________
(١) للتاكّد الأكثر من هذا الأمر ( راجع كتاب المستشرقون ).
(٢) و (٣) الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ١٢١ ، جامع البيان في تفسير القرآن : ج ٢٢ ص ١٠.
(٤) مفاتيح الغيب : ج ٢٥ ص ٢١٢ ، روح المعاني : ج ٢٢ ص ٢٣ و ٢٤.