ثم دعا محمد بن مسلمة وأمره بأن يذهب إلى بني النضير ، ويبلغ سادتهم ، من قبله رسالة.
فخرج محمد بن مسلمة الأنصاري الاوسي (١) الى بني النضير وقال لسادتهم : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أرسلني إليكم يقول :
« قد نقضتم العهد الّذي جعلت لكم بما هممتم به من الغدر بي.
اخرجوا من بلادي فقد أجّلتكم عشرا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه ».
فأحدثت هذه الرسالة الشديدة اللهجة والساخنة المضمون انكسارا عجيبا في يهود بني النضير ، وأخذوا يتلاومون ، وأخذ يحمّل كل واحد منهم الآخر مسئولية هذه القضية.
فاقترح عليهم أحد سادتهم أن يعتنقوا الاسلام ، ويؤمنوا برسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولكن عنادهم منعهم من القبول بهذا الاقتراح. وعمتهم حالة يرثى لها من الحيرة ، والانقطاع ، فقالوا لمبعوث النبيّ صلىاللهعليهوآله : يا محمّد ما كنّا نرى أن يأتي بهذا رجل من الاوس.
ويقصدون أنه كان بيننا وبين الأوس حلف فما بالك تريد حربنا الآن.
فقال محمد بن مسلمة : تغيّرت القلوب.
وقد كان هذا الاجراء متطابقا مع ما جاء في ميثاق التعايش الذي عقده رسول الله صلىاللهعليهوآله مع يهود يثرب ابان دخوله المدينة ، وقد وقع عليه عن اليهود بني النضير حيي بن أخطب ، وقد نقلنا في ما سبق النصّ الكامل لهذا الميثاق وها نحن ندرج هنا قسما منه ليتضح ما ذكرناه.
جاء في أحد بنود الميثاق ( العهد ) :
« ألاّ يعينوا ( أي بنو النضير وبنو قريظة وبنو قينقاع ) على رسول الله صلىاللهعليهوآله ولا على أحد من أصحابه بلسان ولا يد ولا بسلاح ولا بكراع في السرّ والعلانية لا بليل ولا بنهار والله بذلك عليهم شهيد ، فان فعلوا فرسول الله في حل
__________________
(١) المغازي : ج ١ ص ٣٦٦.