متساوية النسبة ، لم تكن جازمة ، وهناك يمتنع حدوث المراد ، ومتى ترجّح أحد طرفيها على الآخر صارت موجبة للفعل ، ولا يبقى بينها وبين سائر الموجبات فرق من هذه الجهة ، بل الفرق ما ذكرناه أنّ المريد هو الذي يكون عالما بصدور الفعل غير المنافي عنه ، وغير المريد هو الذي لا يكون عالما بما يصدر عنه كالقوى الطبيعيّة وإن كان الشعور حاصلا لكنّ الفعل لا يكون ملائما له ، بل منافرا مثل الملجأ إلى الفعل ؛ فإنّ الفعل لا يكون مرادا (١). انتهى كلامه ، فتأمّل فيه ؛ فإنّه بظاهره يشعر بكون الفاعل بالرضى أيضا داخلا في المريد. والتحقيق ما ذكرناه ، هذا.
فإن قيل : إرادته تعالى لا يصحّ أن تكون عين علمه ؛ فإنّه تعالى يعلم كلّ شيء ولا يريد كلّ شيء ؛ فإنّه لا يريد شرّا ولا ظلما ولا كفرا ولا شيئا من القبائح والسيّئات ؛ فإرادته أمر آخر وراء علمه تعالى.
قلنا : لا يلزم من كون إرادته عين علمه بكلّ شيء أن يتعلّق إرادته أيضا بكلّ شيء ؛ فإنّ الإرادة ليست هو العلم مطلقا ، بل العلم بما فيه مصلحة وخير. وهذا كما أنّ سمعه وبصره راجعان عند المحقّقين إلى العلم ، ولا يلزم منه تعلّق السمع بما سوى المسموع ، ولا تعلّق البصر بما سوى المبصر ، فليتفطّن.
فإن قلت : ما ذا تقول فيما رواه ثقة الإسلام رئيس المحدّثين أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكلينيّ في كتاب الكافي (٢) والشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن بابويه القمّيّ في كتابي التوحيد (٣) والعيون (٤) عن الأئمّة الطاهرين وسادتنا المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين في حدوث الإرادة والمشيئة ، وأنّهما من
__________________
(١) « المباحث المشرقية » ٢ : ٥١٣ ـ ٥١٥.
(٢) « الكافي » ١ : ١٠٩ ـ ١١٠ باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ... ، ح ١ ـ ٧.
(٣) « التوحيد » : ١٤٥ ـ ١٤٨ باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح ١٣ ـ ١٩ و: ٣٣٦ ـ ٣٤٤ باب المشيئة والإرادة ، ح ١ ـ ١٣.
(٤) « عيون أخبار الرضا » ١ : ١٧٩ ـ ١٩١ ، الباب ١٣ ، ح ١.