في هذا الدليل ، فقول شارح المواقف (١) في توجيه كلام المصنّف ـ من أنّها يجوز صدور قليل من المتقن من قادر غير عالم ، ولا يجوز صدور كثير عنه ـ مبنيّ على الخلط ، كما لا يخفى.
وقال شارح المقاصد : إنّ المحقّقين من المتكلّمين على أنّ طريق القدرة والاختيار أوكد وأوثق من طريقة الإحكام والإتقان ؛ لأنّ عليها سؤالا صعبا ، وهو أنّه لم لا يجوز أن يوجب البارئ تعالى موجودا تسند إليه تلك الأفعال المتقنة المحكمة ، ويكون له العلم والقدرة؟
ودفعه بأنّ إيجاد مثل ذلك الموجود ، وإيجاد العلم والقدرة فيه يكون أيضا فعلا محكما ، بل أحكم ، فيكون فاعله عالما لا يتمّ إلاّ ببيان أنّه قادر مختار ؛ إذ الإيجاب بالذات من غير قصد لا يدلّ على العلم ، فيرجع طريق الإتقان إلى طريق القدرة ، مع أنّه كاف في إثبات المطلوب (٢).
وفيه نظر.
ومنهم من يتمسّك في إثبات علمه تعالى بالأدلّة السمعيّة من الكتاب والسنّة والإجماع وليس بذلك ؛ إذ تصديق الرسل والكتب يتوقّف على التصديق بالعلم والقدرة.
وما قيل من أنّه إذا ثبت صدق الرسل بالمعجزات ، حصل العلم بكلّ ما أخبروا به وإن لم يخطر بالبال كون المرسل عالما ، ففيه أنّ دلالة المعجزة على صدق الرسل تتوقّف لا محالة على أن يكون المرسل عالما قادرا ؛ فإنّ طلب المعجزة ليس إلاّ طلب تصديق الرسول من المرسل ، فلا بدّ من كونه عالما بالطلب وقادرا على التصديق.
__________________
(١) نفس المصدر السابق.
(٢) « شرح المقاصد » ٤ : ١١٢.