التشكيك ، وكأن الذي أدخل الشك على بعض الأعلام أخبار الدهن ، لكن لا ينبغي لذلك ارتكاب ما هو بديهي البطلان.
ومن هنا عدل بعض المتأخرين عن تلك الدعوى. وادعى أنه يمكن القول بالاجتزاء بها لاعتبار أسانيد بعضها لا لأنه غسل ، بل لأنه أمر اكتفى به الشارع وإن لم يسمى غسلا ، فيكون الواجب بالنسبة إلى الوجه واليدين أحد أمرين الغسل أو الدهن ، وتحمل حينئذ جميع الأوامر الواردة في الكتاب والسنة التي كادت تكون صريحة ، بل هي صريحة في إرادة الوجوب العيني ، لمقابلته بالمسح على إرادة التخيير ، وكذا نحو قوله (١) : ( الوضوء غسلتان ومسحتان ) على إرادة الوضوء غسلتان أو دهنتان ، أو أربع مسحات إن قلنا أن الدهن مسح على ما هو الظاهر ، وذلك مما لا يرتكبه من له أدنى معرفة في الفقه ، بل الظاهر أنه مخالف للإجماع ، ومن هنا أشار المصنف وغيره كابن إدريس والعلامة والشهيد إلى تأويل هذه الروايات بإرادة أنه يجزئ من الغسل ما كان بإجراء المكلف كالدهن بحيث تنتقل من محل إلى آخر ، وفي الذكرى « أن أهل اللغة يقولون دهن المطر الأرض إذا بلها بللا يسيرا » وقد تحمل الروايات عليه ، وليس فيها ما ينافي ذلك ، فمنها قوله عليهالسلام في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (٢) : « انما الوضوء حد من حدود الله تعالى ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه ، وان المؤمن لا ينجسه شيء ، إنما يكفيه مثل الدهن » وقوله عليهالسلام في رواية محمد بن مسلم (٣) : « يأخذ أحدكم الراحة من الدهن ، والماء أوسع من ذلك » وقوله عليهالسلام (٤) في الغسل والوضوء : « ويجزئ منه ما أجري من الدهن الذي يبل الجسد » بل الرواية الأخيرة كادت تكون كالصريحة فيما ذكرنا من التأويل ، وكأن هذه الأخبار يراد منها
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٩.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.
(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٥.
(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٧.