المبالغة في عدم احتياج الوضوء إلى ماء كثير ، وأنه لا ينبغي الإسراف فيه زيادة على الإسباغ.
وكون هذه الأخبار حينئذ لم تفد لنا حكما جديدا يدفعه ـ مع أنه ليس في ذلك بأس ـ قد يقال لو لا هذه الأخبار لأمكن القول بعدم إجزاء مثل هذا الفرد من الغسل لكونه من المطلق الذي ينصرف إلى الفرد الشائع منه ، وليس منه ذلك قطعا ، بل كان ملاحظة الوضوءات البيانية ونحوها مما يشرف الفقيه إلى القطع بعدم جوازه ، فيكون هذه الروايات أفادت الاكتفاء بأقل أفراد مسمى الغسل الذي هو كالدهن ، واحتمال القول ببقاء الدهن فيها على حقيقته لكن العرف في ذلك الزمان غيره في هذا الزمان في غاية البعد جدا ، بل لا ينبغي أن يلتفت إليه ، إذ المرتضى (ره) في زمنه ادعى أخذ الجريان في مفهومه ، وهو قريب من زمانهم (ع) كحملها على إرادة الاجتزاء بمثل الدهن عند الضرورة ، وانه يقدم على التيمم ، وقد يظهر ذلك من كلام الشيخين في باب غسل الجنابة سيما المفيد في المقنعة ، إذ هو بعيد جدا من مضامين تلك الروايات ، لظهور كثير منها إرادة الاجتزاء بها في الاختيار.
وربما أيد ما ذكراه بما قيل من صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليهمالسلام (١) حيث سأله « عن الرجل الجنب أو على غير الوضوء لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا أيهما أفضل أيتيمم أو يمسح بالثلج؟ قال : الثلج إذا بل جسده ورأسه أفضل ، وإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم » قيل ونحوها رواية معاوية بن شريح (٢) وفيه ـ مع اشتماله على خلاف المدعى من التخيير بينه وبين التيمم عند الضرورة ـ أنه يحتمل أن يريد المسح مع الجريان والأفضلية ، إما في ضمن الوجوب أو للمشقة التي تجوز التيمم.
وكيف كان فالذي يظهر من الأدلة وكلام الأصحاب أنه لا فرق في حال الضرورة والاختيار ، وذلك للاجتزاء بأقل مسمى الغسل فيهما ، وعدم الاجتزاء بدونه فيهما بل ينتقل
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التيمم ـ حديث ٣.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التيمم ـ حديث ٢.