______________________________________________________
وتلخيص البحث فيها : أنه لا خلاف بين القائلين باقتضاء الأمر الوجوب في أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام الذي هو ترك المأمور به أو كف النفس عنه ، لأنه جزء ماهية الوجوب الذي هو مدلول الأمر عندهم. وإنما الخلاف في الأضداد الوجودية الواقعة في ضمن الترك ، فذهب الأكثر إلى أنّ الأمر بالشيء لا يستلزم النهي عن هذه الأضداد الخاصة ، لأنها ليست نفس الترك المنهي عنه ، ولا جزءه ، ولا علة فيه ، وليسا معلولي علة واحدة فلا يلزم من تحريمه تحريمها. ولأنه لا امتناع في أن يقول الشارع : أوجبت عليك كلا الأمرين لكن أحدهما مضيق والآخر موسع ، فإن قدّمت المضيق فقد امتثلت وسلمت من الإثم ، وإن قدّمت الموسع فقد امتثلت وأثمت بالمخالفة في التقديم.
وقيل بالاستلزام بمعنى أنه يلزم من ملاحظة الأمر كون الآمر كارها لتلك الأضداد وإن لم يكن مشعرا بها حالة الطلب ، فإنّ القصد إنما يعتبر في الخطاب الصريح لا الضمني ، كما في الضد العام عند الجميع ومقدمة الواجب عند الأكثرين.
ورجح هذا القول شيخنا المحقق المعاصر أطال الله تعالى بقاءه واحتج عليه بوجوه :
الأول : إنّ فعل كل من الأضداد الخاصة مستلزم لترك ذلك الواجب المضيق فيكون محرما ، لأن مستلزم الحرام حرام.
الثاني : إنّ فعل الواجب المضيق موقوف على ترك أضداده الوجودية فيكون واجبا ، لأن ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب.
الثالث : إنه لو لم يحرم الضد الخاص وتلبس به المكلف ـ كالصلاة بالنسبة إلى أداء الدين مثلا ـ فإن بقي الخطاب بذلك الواجب المضيق لزم التكليف بالضدين وهو محال ، وإلاّ خرج الواجب المضيق عن كونه واجبا مضيقا ، وهو خلاف المفروض (١).
ويمكن الجواب عن الأول : بأنه إن أريد بالاستلزام العلية منعنا الصغرى ، وإن أريد
__________________
(١) مجمع الفائدة ( ١ : ٣٢٧ ).