ثم لا يخفى ثبوت الثمرة بين التخصيص والنسخ ، ضرورة أنه على التخصيص يبنى على خروج الخاص عن حكم العام رأسا ، وعلى النسخ ، على ارتفاع حكمه عنه من حينه ، فيما دار الأمر بينهما في المخصص ، وأما إذا دار بينهما في الخاص والعام ، فالخاص على التخصيص غير محكوم بحكم العام أصلا ، وعلى النسخ كان محكوما به من حين صدور دليله ، كما لا يخفى.
______________________________________________________
داعية إلى هذا الاخبار ، ثم يظهر سبحانه وتعالى ما أمر نبيّه أو وليه عدم إظهاره في الابتداء من عدم وقوع العذاب أو غيره ويبدي ما خفي على العباد ثانيا ، فيكون البداء من الله سبحانه وتعالى بمعنى الإبداء والإظهار ، وإطلاق البداء على هذا الإبداء لشباهته بالبداء من غيره سبحانه وتعالى صورة من ثبوت الشيء في المستقبل أو الإخبار به أوّلا وظهور خلافه ثانيا مما كان خفيا على من بيده الإثبات والقرار والاخبار.
أقول : الأخبار الواردة في البداء (١) متواترة إجمالا ، وقد ورد في بعضها أنّ البداء مما يعبد به الله سبحانه وتعالى ، وأنّه تعظيم لله سبحانه وتعالى ، وأنّه ما بعث نبيّا إلّا وقد ألزم أن يعلم أنّ الله سبحانه وتعالى يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ، وأنّ لله سبحانه وتعالى علمين علم مخزون لا يعلمه إلّا هو فمن ذلك يكون البداء ، وعلم علّمه ملائكته ورسوله وأنبيائه فنحن نعلمه ، وأنّ من الأمور أمور موقوفة عند الله يقدّم ما يشاء ويؤخّر منها ما يشاء إلى غير ذلك.
وليتّضح مفاد الاخبار لا بدّ من ملاحظة أمرين :
الأوّل : عدم تخلّف العلم عن المعلوم ، فالعلم المخزون عند الله لا يتخلّف عن المعلوم خارجا ، وإلّا لم يكن علما ، سواء كان حضوريا أو حصوليا ، ولكنّ هذا العلم أيضا لا يوجب خروج المعلوم ـ إذا كان فعلا من الافعال ـ عن قدرة الفاعل واختياره ،
__________________
(١) الأصول من الكافي ١ / ١٤٦ باب البداء.