ويمكن الجواب عنه : اوّلا : بأنّ اختصاص علم القرآن بتمامه وكماله بهم عليهمالسلام لا ينافي إمكان الاستظهار من جملة من الآيات وحجيتها مع مراعاة شرائطها من التفحص عما ورد حولها عن اهل البيت عليهمالسلام ، قال صاحب الكفاية إنّ المراد مما دل على اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله هو اختصاص فهمه بتمامه بمتشابهاته ومحكماته بداهة أنّ فيه ما لا يختص به كما لا يخفى.
وردع أبي حنيفة وقتادة عن الفتوى به إنّما هو لأجل الاستقلال في الفتوى بالرجوع إليه من دون مراجعة أهله ، لا عن الاستدلال بظاهره مطلقا ولو مع الرجوع إلى رواياتهم والفحص عمّا ينافيه والفتوى به مع اليأس عن الظفر به ، وكيف وقد وقع في غير واحد من الروايات الإرجاع إلى الكتاب والاستدلال بغير واحد من آياته. (١)
وثانيا : بأنّ لازم الاختصاص بأهل البيت مطلقا هو أن يكون القرآن لغزا أو معمّى مع أنّه ليس كذلك.
قال في نهاية الاصول : إنّ القرآن لم ينزل بنحو المعمى بل ، نزل لبيان طرق صلاح الناس ، وهو بنفسه يدعو الناس إلى التأمّل فيه والتدبّر في آياته ، وقد اثّر آثارا عجيبة في المسلمين في صدر الإسلام ، وكان العمل به والاستدلال به ممّا جرت عليه سيرة المسلمين ، فإذا سمعوا مثلا قوله تعالى : (لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) الآية فهموا المقصود من هذه الآية من دون أن يحتاجوا إلى مراجعة النبي صلىاللهعليهوآله ، كيف وربما استدلوا بما هو أخفى من هذه الآية من دون أن يردعهم النبي صلىاللهعليهوآله أو الائمة عليهمالسلام؟! وقد روي : أنّ عليا عليهالسلام لمّا خرج إلى صفّين رأى جماعة من المسلمين قد ضربوا الفسطاط خارجا من العسكرين فسئل عن حالهم فقيل له هؤلاء يقولون إنّا لا نقاتل أهل القبلة حتى يثبت لنا بغي أحدهما على الآخر : إذ لم يثبت لنا جواز قتالهم إلّا حينئذ حيث قال الله تعالى (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ)(٢) فلمّا سمع
__________________
(١) الكفاية ٢ : ٦١.
(٢) الحجرات / ٩.