عباد الله! اوصيكم بتقوى الله الذي ألبسكم الرّياش وأسبغ عليكم المعاش. فلو أنّ أحدا يجد إلى البقاء سلّما أو لدفع الموت سبيلا ، لكان ذلك سليمان بن داود عليهالسلام الذي سخّر له ملك الجنّ والإنس مع النبوّة وعظيم الزلفة ، فلمّا استوفى طعمته واستكمل مدّته ، رمته قسيّ الفناء بنبال الموت ، وأصبحت الديار منه خالية والمساكن معطّلة ، وورثها قوم آخرون.
وإنّ لكم في القرون السالفة لعبرة! أين العمالقة وأبناء العمالقة؟! أين الفراعنة وأبناء الفراعنة؟! أين أصحاب مدائن الرسّ الذين قتلوا النبيّين وأطفئوا سنن المرسلين وأحيوا سنن الجبّارين؟! أين الذين ساروا بالجيوش وهزموا بالألوف ، وعسكروا العساكر ومدّنوا المدائن؟! ثمّ قال عليهالسلام :
أيّها الناس ، إنّي قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ الأنبياء بها أممهم وأدّيت إليكم ما أدّت الأوصياء إلى من بعدهم ، وأدّبتكم بسوطي فلم تستقيموا ، وحدوتكم بالزواجر فلم تستوسقوا! لله أنتم! أتتوقّعون إماما غيري يطأ بكم الطريق ويرشدكم السبيل؟!
ألا إنّه قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلا ، وأقبل منها ما كان مدبرا ، وأزمع الترحال عباد الله الأخيار ، وباعوا قليلا من الدنيا لا يبقى بكثير من الآخرة لا يفنى ، ما ضرّ إخواننا الذين سفكت دماؤهم وهم بصفّين أن لا يكونوا اليوم أحياء يسيغون الغصص ويشربون الرنق (الكدر)؟! قد والله لقوا الله فوفّاهم اجورهم ، وأحلّهم دار الأمن بعد خوفهم.
أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحقّ؟! أين عمّار وأين ابن التيهان وأين ذو الشهادتين وأين نظراؤهم من إخوانهم؟! الذين تعاقدوا على المنيّة وابرد برءوسهم إلى الفجرة!
ثمّ ضرب بيده على لحيته الشريفة الكريمة وبكى وأطال البكاء ثمّ قال عليهالسلام :