وحلم معاوية بالموسم :
مرّ الخبر عن استشارة الإمام عليهالسلام من حجر الكندي وسعيد بن قيس الهمداني في من يبعثه لصدّ غارات معاوية وتعقيبها ، فأشار عليه سعيد بن قيس بمعقل بن قيس التميمي ، وأنّ الإمام أرسل إليه يدعوه ليوجّهه. والآن يبدو أنّ ذلك كان في أواخر سنة (٣٩ ه) لموسم الحجّ.
كان يزيد بن شجرة الرّهاوي عثمانيّا ناسكا يتألّه وقد شهد مع معاوية صفين! ودنا موسم الحجّ لسنة (٣٩ ه) فدعاه معاوية وقال له : إنّ أهلي وعشيرتي وبيضتي التي انفلقت عنّي أهل الله في حرم الله ، ولكن واليها رجل ممّن قتل عثمان وسفك دمه! (قثم بن العباس)! فأنا مسرّ إليك سرّا لا تطلع أحدا عليه حتى تخرج من كلّ أراضي الشام ، إنّي باعثك إلى مكة وواليها ، وفي ذلك شفاء لنا ولك ، وقربة إلى الله وزلفى! فسر على بركة الله حتى تنزلها ، وأنت تلاقي الآن الناس هناك بالموسم ، وإنّهم الأصل والعشيرة وإنّي كاره لاستئصالهم ومحبّ لاستبقائهم ، فادعهم إلى اتّباعنا وطاعتنا! فإن أجابوك فاقبل منهم واكفف عنهم ، وإن أدبروا عنك فنابذهم وناجزهم ، ولا تقاتلهم حتّى تبلّغهم أنّي قد أمرتك أن تبلّغهم عنّي! ثمّ تولّ أمر الموسم وصلّ بالناس!
ثمّ سيّره في ثلاثة آلاف فارس ، وخرج بهم من دمشق مسرعا وشيّعه رؤساؤها وهم يسألونه : أين يريد؟ فقال : سبحان الله (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ)(١) ما أسرع ما تعلمون ، وكأنّكم قد علمتم إن شاء الله ، ومضى مسرعا.
ثمّ قدّم أمامه الحارث بن نمير التنوخي (البحراني ، ولعلّه في ثلثهم) ثمّ مرّوا بوادي القرى ثمّ ميقات الجحفة ثمّ قدموا مكة يوما قبل التروية (٢).
__________________
(١) الأنبياء : ٣٧ ، وعدد الجيش عن الكامل لابن الأثير ٣ : ١٥١ سنة (٣٩ ه).
(٢) الغارات ٢ : ٥٠٤ ـ ٥٠٧.