وانصرف الناس من صلاتهم فتواثبوا إليه كأنّهم السباع ينادونه : يا عدوّ الله ما صنعت! لقد قتلت خير الناس وأهلكت الأمّة! وهو ساكت لا ينطق بكلمة! والناس في ضوضاء يقولون : قتل أمير المؤمنين! حتّى أوقفوه بين يديه فقال عليهالسلام : احبسوه ، فإن أمت من جراحتي هذه فهو في أيديكم ، نفس بنفس فاقتلوه ، وإن أعش وأبرأ أرى فيه رأيي.
ورجع حجر الكندي إلى المسجد فسمعهم ينادون : ضرب أمير المؤمنين! فنظر حجر إلى الأشعث وقال له : أما رأيته معك وأنت تناجيه قلت له : النجاء فقد فضحك الصبح؟! والله لو أعلم ذلك حقّا لضربت أكثرك شعرا! فقال الأشعث : إنّك شيخ قد خرفت!
وانصرف إلى داره وأمر ابنه قيسا أن يرى الإمام كيف أصبح ، فأتى قيس حتّى رآه وعاد إلى أبيه وقال له : يا أبة! رأيت عينيه قد غارتا في أمّ رأسه! فقال الأشعث : فهما عينا دميغ (مضروب في دماغه) وربّ الكعبة (١)!
وجاء الطبيب ، وعاد الحسين عليهالسلام :
كان خالد بن الوليد لمّا فتح عين التمر بالعراق أصاب فيها أربعين غلاما من غلمان كسرى فسباهم ، وكان منهم غلام من السكون أو من كندة يدعى أثير بن عمرو ، وكان متطبّبا يعالج الجراحات ، ولذا أسر مع جنود كسرى ، وانتهى به الأمر أن أصبح في الكوفة من أعلم أطبّائها.
__________________
(١) مقتل الإمام لابن أبي الدنيا : ٣٧ ـ ٣٨ ، الحديث ١٤ و ١٥ و ١٦ ، وأنساب الأشراف ٢ : ٣٩٧ ، الحديث ٥٦١.