وبعد مكث غير كثير هرب من السجن ، واخبر به معاوية ، فقال لمن حضره : من يطلبه؟ وكان يحضره عبد الله بن عمرو الخثعمي فقال له : أنا أطلبه ، وخرج بخيله في طلبه إلى جهة حوارين ، فمرّ بناس في حصاد ومعهم حمير وأصابهم المطر وكان قربهم غار فدفعوا بحميرهم نحو الغار ، فلمّا دخلت الحمير الغار نفرت وتراجعت ، فذهب أصحابها لينظروا ممّ نفرت حميرهم من الغار ، وإذا بهم يرون فيه رجلا ، فخرجوا.
ووافاهم عبيد الله الخثعمي وسألهم عن رجل وصفه لهم ، فقالوا له : ها هو ذا في الغار! فاستخرجه ، وكان عثمانيّا فخاف إذا حمله إلى معاوية أن لا يقتله لقرابته فقتله (١).
وطمع في البصرة بعد مصر :
لكلّ قاعدة شواذ ، ومن شواذ بني عبد قيس العلويين بالبصرة : صحار بن عباس العبدي ، فإنّه كان ممّن يرى رأي عثمان ويخالف قومه في حبّهم عليّا عليهالسلام ونصرتهم إيّاه. فلمّا بلغه وقعة معاوية بأهل مصر وبعد مصير ابن عباس من البصرة إلى الكوفة لتعزية الإمام عليهالسلام في ذلك حضورا لديه ، اغتنم فرصة غيابه عن البصرة وعزم على تطميع معاوية فيها ، فكتب إليه يقول له :
أمّا بعد ، فقد بلغنا وقعتك بأهل مصر ، الذين بغوا على إمامهم وقتلوا خليفتهم بغيا وظلما! فقرّت بذلك العيون! وشفيت بذلك النفوس ، وثلجت أفئدة أقوام كانوا لقتل عثمان كارهين ولعدوّه مفارقين ولكم موالين وبك راضين! فإن رأيت أن تبعث إلينا أميرا زكيّا طيّبا ذا عفاف ودين! يدعو (وليس يغزو!) إلى الطلب بدم عثمان ، فعلت : فإنّي لا أخال الناس إلّا مجمعين عليك! فإنّ ابن عباس غائب عن الناس! والسلام.
__________________
(١) الغارات ١ : ٣٢٧ ـ ٣٢٩ عن المدائني.