وخطبة الإمام لهم :
فلما رأى الإمام عليهالسلام ميمنته قد عادت إلى موقفها ومصافّها ، وكشفوا من بإزائهم بل ضاربوهم في مواقفهم ومراكزهم ، عاد حتّى انتهى إليهم وخطبهم فقال لهم :
إني قد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم يحوزكم الجفاة الطّغام وأعراب أهل الشام! وأنتم لهاميم العرب والسنام الأعظم ، وعمّار الليل بتلاوة القرآن! وأهل دعوة الحق إذ ضلّ الخاطئون. فلولا إقبالكم بعد إدباركم ، وكرّكم بعد انحيازكم ، وجب عليكم ما وجب على المولّي دبره يوم الزحف ، وكنتم فيما أرى من الهالكين! ولقد هوّن عليّ بعض وجدي وشفى بعض أحاح (غيظ) نفسي : أنّي رأيتكم بأخرة حزتموهم كما حازوكم ، وأزلتموهم عن مصافّهم كما أزالوكم ، تحوزونهم بالسيوف ليركب أوّلهم آخرهم كالإبل المطّردة إليهم ، فالآن فاصبروا ، انزلت عليكم السكينة ، وثبّتكم الله باليقين. وليعلم المنهزم أنه مسخط لربّه وموبق نفسه ، وفي الفرار موجدة الله عليه والذلّ اللازم والعار الباقي ، واعتصار الفيء من يده وفساد العيش ، وأن الفار لا يزيد الفرار في عمره ولا يرضي ربّه. فموت الرجل محقّا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بها والإقرار عليها (١).
وإلى معاوية ثانية :
وكان معاوية أمر فاقيمت له قبة كرباس (قماش) عظيمة جلس تحتها (٢) وقد أوقف على رأسه رجلا قائما رافعا على رأسه ترسا مذهّبا يستره به عن الشمس : وكان في خيل عظيمة من أصحابه عليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي ، وكان يعدّه ولدا له!
__________________
(١) وقعة صفين : ٢٥٦.
(٢) وقعة صفين : ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، والكرباس معرّب عن الفارسية : كارباش : قماش الأعمال.