أيّها الناس ، إنّ أخاكم البكريّ قد أصيب بالأنبار ، وهو مغترّ لا يخاف ما كان ، فاختار ما عند الله على الدنيا ، فانتدبوا إليهم حتّى تلاقوهم ، فإن أصبتم طرفا منهم أنكلتموهم عن العراق أبدا ما بقوا! ثمّ سكت. فلم ينبس أحد منهم بكلمة. واخبر أنّ القوم قد جاءوا بجمع كثيف.
فدعا بسعيد بن قيس الهمداني وانتدب له ثمانية آلاف فارس ، وقال له : إنّي قد بعثتك في ثمانية آلاف ، فاتّبع هذا الجيش حتّى تخرجه من أرض العراق.
فخرج على شاطئ الفرات في طلبه حتّى بلغ عانات ، فسرّح أمامه هانئ بن الخطّاب الهمداني ، فاتّبع آثارهم حتّى بلغ أداني أراضي قنسرين (قبل حلب بمرحلة) فلم يلقهم فانصرف عنهم.
واعتلّ الإمام عليهالسلام في تلك الأيّام حتّى لم يطق القيام بالخطاب والكلام ، لكنّه أملى كلاما على كاتبه ثمّ دعا الصحابيّ صاحب شرطته سعد بن الحارث الخزاعي فدفع إليه الكتاب وأمره أن يقرأه على الناس بمحضره ، وخرج مع ابنيه الحسنين عليهمالسلام وابن أخيه عبد الله بن جعفر ، فجلس معهم بباب السدّة إلى المسجد الجامع ، فقام سعد بحيث يسمع الإمام قراءته وما يردّ عليه الناس ، ثمّ قرأ الكتاب :
«بسم الله الرحمنِ الرحيم ، من عبد الله عليّ (بلا لقب!) إلى من قرئ عليه كتابي من المسلمين ، سلام عليكم ، أمّا بعد ، فالحمد لله ربّ العالمين ، وسلام على المرسلين ، ولا شريك لله الأحد القيّوم ، وصلوات الله على محمد والسلام عليه في العالمين.
أمّا بعد ، فإنّي قد عاتبتكم في رشدكم حتّى سئمت ، وراجعتموني بالهزء من قولكم حتّى برمت ، هزء من القول لا يعاد (لا يعتدّ) به ، وخطل (بالرأي) لا يعزّ أهله! ولو وجدت بدّا من خطابكم والعتاب إليكم ما فعلت ، وهذا كتابي يقرأ عليكم ، فردّوا خيرا وافعلوه ، وما أظنّ أن تفعلوا ، فالله المستعان.