وأخرج بعد ذلك راية أمان فنصبها وقال : من أتاها من الناس فهو آمن ، إلّا الخرّيت وأصحابه الذين نابذوا أوّل مرّة! فلم يبق مع الخرّيت إلّا قومه بني ناجية مسلمهم ونصرانيهم ومانعوا صدقاتهم.
ثمّ عبّأ معقل بن قيس أصحابه فجعل على ميمنته يزيد بن المغفّل الأزدي ، وعلى ميسرته منجاب بن راشد الضبيّ البصري.
وجعل الخرّيت مسلميهم ميمنة ومانعي الصدقة والنصارى ميسرة ، وجعل يقول لهم : والله لئن ظهروا عليكم ليقتلنّكم وليسبينّكم! فقاتلوا اليوم عن أولادكم ونسائكم وامنعوا اليوم حريمكم!
وجعل معقل يجول بين ميمنته وميسرته يحرّضهم ويقول : إنّ الله ساقكم إلى قوم ارتدّوا عن الإسلام ونكثوا البيعة ظلما وعدوانا وقوم منعوا الصدقة ، فإنّي شهيد لمن قتل منكم بالجنّة ، ولمن عاش بأنّ الله يقرّ عينه بالفتح والغنيمة! حتّى مرّ بهم جميعا ، ثمّ عاد فوقف برايته في القلب ، ثمّ بعث إلى ميمنته أن يحملوا عليهم ، فحملوا عليهم ، فثبتوا له وقاتلوا قتالا شديدا ، ثمّ عادوا إلى مواقفهم. ثمّ بعث إلى الميسرة أن يحملوا عليهم ، فحملوا عليهم ، فقاتلوا قتالا شديدا ، ثمّ عادوا إلى مواقفهم ، ثمّ بعث إليهما أنه سيحمل عليهم فاحملوا معي جميعا ، ثمّ حرّك دابّته وضربها وحمل فحمل كلهم فصبروا ساعة.
وبصر النعمان بن صهبان الراسبي الأزدي بالخرّيت بن راشد فحمل عليه فأثخنه بالجراح حتّى صرعه ونزل إليه واختلفا بضربات حتّى قتل النعمان الخرّيت ، وقد قتل من قومه مائة وسبعون رجلا ، وانهزم الباقون منهم في الأرض يمينا وشمالا.
وحمل معقل بجيشه على رحالهم فسبى رجالا منهم ونساء وصبيانا منهم ، فالمسلم أخذ بيعته وخلّى عنه وعن عياله له ، والمرتدّ عرض عليه الإسلام أو القتل فاسلموا فخلّى سبيلهم وسبيل عيالاتهم ، وأبى شيخ منهم العود إلى الإسلام فقتله.