فشت فيهم كلمة التحكيم : «لا حكم إلّا لله» فأقبلوا وهم يتدافعون في الطريق كله ويتضاربون بالسياط ويتشاتمون يقولون للثابتين : يا أعداء الله! أدهنتم في أمر الله وحكّمتم الرّجال في كتاب الله! ويقول هؤلاء لهم : فارقتم إمامنا وفرّقتم جماعتنا. فما وصلوا قرية حروراء ـ بنصف فرسخ قبل الكوفة ـ حتّى توافق اثنا عشر ألف فرد منهم أن يتخلّفوا عن علي عليهالسلام وتوقّفوا هناك ، وقدّموا عبد الله بن الكوّاء البكري اليشكري الهمداني للصلاة بهم ، وتوافقوا على شبث بن ربعي التميمي لقيادة القتال ، ونادى مناديهم بأن البيعة لله وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنهم بعد الفتح (!) سيجعلون الأمر شورى (١).
وأقبل علي عليهالسلام إليهم على بغلة رسول الله الشهباء حتّى وقف بينهم بحيث يسمعونه ويسمعهم ، فخطبهم فقال : «الحمد لله الذي دنا في علوّه فحال دون القلوب ، و (علا في دنوّه) فلا تدركه الأبصار ، الأول والآخر والظاهر والباطن ، الذي اطّلع على الغيوب وعفا عن الذنوب ، يطاع بإذنه فيشكر ، ويعصى بعلمه فيغفر ويستر ، لا يعجزه شيء طلبه ولا يمتنع منه أحد أراده ، قدر فحلم وعاقب فلم يظلم ، وابتلى من يحب ومن يبغض. ثمّ قال فيما أنزل على نبيّه صلىاللهعليهوآله : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ)(٢)».
ثمّ أنتم أيها القوم قد علمتم أني كنت للتحكيم كارها حتّى غلبتموني والله شهيد بيني وبينكم (٣).
__________________
(١) أنساب الأشراف ٢ : ٣٤٢ ، وتاريخ الطبري ٥ : ٦٣ عن أبي مخنف.
(٢) آل عمران : ١٤١.
(٣) شرح الأخبار ٢ : ٣٧ ـ ٣٨ ، الحديث ٤٠٧.