وقوله تعالى (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(١) فان ظاهر سياق هذه الايات يشهد بان المراد من الحرج فيها هو الضيق.
الثاني ـ «الإثم» كقوله تعالى (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ)(٢) وقال تعالى (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)(٣) وقال تعالى (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ)(٤) فان الحرج في هذه الموارد استعمل بمعنى الإثم
الثالث «الكلفة» كقوله تعالى (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٥) وقوله تعالى (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ)(٦)
ولكن الإنصاف ان جميع هذه المعاني راجعة إلى معناه الأصلي وهو «الضيق» واما الإثم والكلفة ، وكذا كثرة الشجر كما في قول القاموس : مكان حرج اى الكثير الشجر فهي من مصاديق الضيق فإن الإثم يوجب ضيقا على صاحبه في الآخرة بل وفي الدنيا ، فقوله تعالى (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) إلخ كأنه بمعنى قولنا ليس على هذه الطوائف ضيق ومحدودية في الدنيا من جهة بعض أفعالهم فهم مرخصون فيها ، بل ولا ضيق في الآخرة من جهة العذاب وغيره. وهكذا كثرة الشجر توجب ضيقا في المكان وما ذكرنا هو الذي يساعد عليه النظر الدقيق بعد ملاحظة موارد استعمالات هذه الكلمة.
ولكن الذي يظهر مما حكاه ابن الأثير في كلامه بقوله : «وقيل انه أضيق الضيق» وكذا ما حكاه في المجمع عن على بن إبراهيم من ان «الحرج ما لا مدخل له والضيق ما له مدخل» ان الحرج ليس مطلق الضيق ، بل هو ضيق خاص عبر عنه في النهاية بأضيق الضيق يعنى به الضيق الشديد وفي كلام على بن إبراهيم بما لا مدخل له ، وكأن مراده
__________________
(١) النساء ـ ٦٥.
(٢) التوبة ـ ٩١.
(٣) النور ـ ٦١.
(٤) الأحزاب ـ ٣٨.
(٥) الحج ـ ٧٨.
(٦) المائدة ـ ٦.