الدليل الثاني ونقده
الوجه الثاني : ما يظهر من المسالك أيضا ومحصّله :
«أنّ أدنى مراتب البيّنة لا يحصل بها الظنّ الغالب المتاخم للعلم ، والشياع ربّما يحصل منه ذلك فيكون أولى منها بالحجيّة وإن لم يحصل منه في بعض الأحيان لأنّ مفهوم الموافقة يكفي في المرتبة الدنيا من البيّنة بالقياس إلى الشياع.» (١)
أقول : هذا استدلال عجيب إذ لم يظهر لنا من أدلّة حجيّة البيّنة أنّ وجه اعتبارها إفادتها للظنّ ولا ندري ما هو الملاك في حجيّتها وإطلاق دليل الحجيّة يعمّ صورة الظن بالخلاف أيضا ، ولو سلّم فهي حكمة للجعل لا علّة حتى يتعدى منها فما ذكره أشبه شيء بالقياس الذي لا نقول به.
الدليل الثالث ونقده
الوجه الثالث : السيرة المستمرة في جميع الأعصار على إثبات الأنساب ونحوها بالشياع والاستفاضة فترى العقلاء يحكمون بالتحاق من ينتسب إلى أب او أمّ او طائفة او قبيلة ويرتبون عليه آثاره ، واستقر هذا الأمر من عصر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى يومنا هذا من غير نكير ، ولا طريق لهم في هذا الحكم إلّا الشياع في المحلّ.
أقول : يمكن أن يناقش هذا الوجه أيضا بأنّ العقلاء يحصل لهم غالبا الوثوق والاطمئنان بسبب الشياع إذا لم يسبق عامل تشكيك في البين وكانت أذهانهم باقية على صرافتها ، ففي الحقيقة هم يعملون بوثوقهم الذي هو في حكم العلم عندهم.
وأما إذا سبق في البين عامل تشكيك وحصل لهم الشك واقعا فهل يعتمدون في هذه الصورة أيضا على الشياع بنفسه بحيث يكون أمارة تعبديّة عندهم؟
فيه إشكال بل منع إذ الظاهر أنّ أعمال العقلاء ليست مبنيّة على التعبّد وإنما يعمل كلّ واحد منهم بعلمه ووثوقه.
__________________
(١) المسالك ، ج ٢ ، ص ٣٥٥.