الفقيه الجامع للشرائط التي مرّت بالتفصيل. حيث إنّ الدين والسياسة في الشريعة الإسلامية متلازمان. فالمتصدي لإدارة شئونهما يجب أن يكون شخصا واحدا جامعا لصفات الإفتاء والقضاء والولاية ، وإن توقفت إدارة كلّ منها على الاستعانة بالآخرين.
ويشهد لذلك مجموع الآيات والروايات التي مرّت منّا في الفصل الأوّل (١) من هذا الباب ، حيث ذكر فيها جهات الدين والسياسة توأما.
ويدلّ عليه أيضا ما مرّ من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «اللهم ارحم خلفائي.» ثلاث مرّات فقيل له : «يا رسول الله ، ومن خلفاؤك؟» قال : «الذين يأتون من بعدي ويروون عني أحاديثي وسنّتي ، فيعلّمونها الناس من بعدي.» (٢)
حيث إنّ المتبادر من خلفائه خلفاؤه في جميع شئونه العامّة ، فتشمل الثلاثة.
وكذا قوله عليهالسلام في التوقيع الذي مرّ : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجة الله عليهم.» (٣)
إذ المراد بالحوادث ، الأمور الحادثة للمسلمين في كلّ عصر وزمان إذا أشكل عليهم تشخيص هويّتها أو الأحكام المنطبقة عليها.
فيعلم بذلك أنّ المرجع للعلم بالكليات المأثورة وللعلم بالحوادث الواقعة شخص واحد.
فصاحب العصر ـ عجل الله فرجه ـ جعل الفقيه المبتني فقهه على روايات أهل البيت مرجعا لكلا الأمرين من الإفتاء والولاية.
وكذلك ما مرّ في كلام سيد الشهداء عليهالسلام من قوله : «ذلك بأنّ مجاري الأمر والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه.» (٤) فجعل منصب الولاية لمن له حقّ الإفتاء.
وهكذا مقبولة عمر بن حنظلة (٥). إذ منصب القضاء أو الولاية المجعولة فيها يلازم دائما الإفتاء أيضا.
__________________
(١) ولاية الفقيه ، ج ٢ ، ص ٣.
(٢) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٦٦ ، الباب ٨ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥٣.
(٣) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ١٠١ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٩. واعتمد في النقل على كمال الدين ، ص ٤٨٤.
(٤) تحف العقول ، ص ٢٣٨.
(٥) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٩٩ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١.