للشيعة هذا العطاء. فلذلك لم يدخلوا مذهب الشيعة في تلك المذاهب ، وأجمعوا على صحّة خصوص الأربعة وبطلان غيرها. فآل أمر الشيعة إلى ما آل في العمل بقول الآل السادة الأنجاب.
والعامّة قد جوّزوا الاجتهاد في المذهب ولم يجوّزوا الاجتهاد من المذهب ، حتى إنّهم لم يجوزوا تلفيق أقوال هذه الأربعة والقول في بعض المسائل بقول بعض وفي بعضها بقول الآخر. واستمرّوا على هذا الرأي إلى يومنا هذا ، ولم يخالفهم أحد منهم في تلك الأعصار المتمادية سوى محيي الدّين العربي المعاصر لفخر الدين الرازي ، حيث خالفهم في الفروع ؛ فتارة يقول بقول واحد من هؤلاء الأئمة الأربعة في مسألة ويقول في مسألة اخرى بقول الآخر ، وتارة يخترع في بعض المسائل وينفرد بقول لم يدخل في تلك الأقاويل.» (١) انتهى كلام رياض العلماء.
وفي روضات الجنّات بعد نقل ما في رياض العلماء ، قال :
«ويؤيد هذا التفصيل ما ذكره صاحب «حدائق المقرّبين» : أنّ السيد المرتضى (ره) واطأ الخليفة ـ وكأنّه القادر بالله المتقدم إليه الإشارة ـ على أن يأخذ من الشيعة مأئة ألف دينار ليجعل مذهبهم في عداد تلك المذاهب وترفع التقيّة والمؤاخذة على الانتساب إليهم ، فتقبّل الخليفة ، ثمّ إنّه بذل لذلك من عين ماله ثمانين ألفا ، وطلب من الشيعة بقية المال فلم يفوا به.» (٢)
انسداد الاجتهاد في أهل السنة
وكيف كان فالمقصود من الاجتهاد هو استخراج أحكام الله ـ تعالى ـ وإحرازها. والمنابع لها هي الأدلّة الأربعة من الكتاب ، والسنة ، والعقل ، والإجماع على القول به. وهي ـ بحمد الله ـ باقية لنا ، وقد شرّحت وفسّرت وتنقّحت أكثر مما كانت في عصر الأئمة الأربعة للسنّة.
وقد تقدّم الفقهاء الأربعة وتأخّر عنهم فقهاء كثيرون ويوجدون في أعصارنا أيضا ، ولم يكن الفقهاء الأربعة معاصرين للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا ورّاث علمه بلا واسطة ، بل تأخّروا
__________________
(١) رياض العلماء ، ج ٤ ، ص ٣٣.
(٢) روضات الجنّات ، ج ٤ ، ص ٣٠٨.