وأما في الحكومة فدليل الحاكم لا يتعرض للنسبة التي تعرض لها دليل المحكوم بل يتعرض لحيثية اخرى لم يتعرض لها دليل المحكوم من قبيل مقدمات الحكم ومؤخراته ، وبعبارة اخرى من الأمور الواقعة في سلسلة علل الأحكام أو في سلسلة معلولاتها ، فاذا قال المولى : «أكرم العلماء» فما تعرض له هذا الدليل هو النسبة الواقعة بين العالم ووجوب الإكرام بنحو الإيجاب فلو تعرض الدليل الثاني لنفس هذه النسبة كلا أو بعضا بنحو السلب فهو من باب التعارض ولكن قوله : «أكرم العلماء» مسبوق بتصور المولى وتصديقه وعزمه وارادته وجعله وإنشائه وكذا الموضوع والمحمول وملحوق بوجوب إطاعته واستحقاق العقوبة والذم على مخالفته وكذا وجوب إعادته وقضائه مثلا ولكن ليست هذه الأمور مفاد القضية بالمطابقة بل مما يحكم العقل بتحققها سابقة أو لا حقة أو مقارنة للنسبة ، فلو قال المولى بدل قوله : «لا تكرم النحويين» : «ما تصورت إكرام النحويين» أو «ما أردت إكرام النحويين» أو «ما أنشأت وجوب اكرام النحويين» أو «ما جعلته» أو «النحوي ليس بعالم» أو «حارس الثورة عالم» أو «لا يجب إطاعة إكرام النحوي» أو «لا أعاقب على ترك إكرامه» أو «لا يجب الإعادة أو القضاء على من تركه» ففي جميع هذه الأمثلة ضيّق الحكم الأوّل أو وسّعه ولكن الدليل الثاني لم يتعرض لنفس النسبة التي تعرض لها الدليل الأوّل بل تعرض لحيثية اخرى يكون نتيجتها تضييق الحكم الأوّل أو توسعته ولسان الحاكم مقدم على لسان المحكوم فانه بمنزلة الشارح والمفسر للمراد عنه. وبما ذكرنا يظهر عدم انحصار الحكومة في توسعة الموضوع أو تضييقه كما اشتهر بل هما من مصاديقها والملاك فيها تعرض الحاكم لجهة من الدليل الأوّل لم يتعرض هو لهذه الجهة بل مما حكم العقل بتحققها سابقة أو لاحقة أو مقارنة له ، فقوله «أكرم العلماء» يتعرض لنسبة وجوب الإكرام إلى العلماء ولا يتعرض لتصور المولى وتصديقه وإرادته ولا لمعنى العالم ومعنى الإكرام وحدودهما ولا للجعل والإنشاء بالحمل الأوّلي ولا لوجوب الإطاعة واستحقاق العقوبة على المخالفة ووجوب الإعادة أو القضاء معها فاذا تعرض الدليل الثاني لجهة من هذه الجهات يحكم بكون الثاني حاكما على الأوّل ومفسّرا له ومقدما عليه مطلقا من غير ملاحظة النسبة بينهما فتدبر.
فإذا عرفت هذا فنقول : بين قوله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) وقوله : «لا زكاة في مال