تكذيبه ، ولهذا حكموا عليه بهذا الحكم الجائر ، فقالوا : (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) ، أي : كثير الكذب والشر. فقبحهم الله ما أسفه أحلامهم وأظلمهم ، وأشدهم مقابلة للصادقين الناصحين بالخطاب الشنيع ، لا جرم عاقبهم الله حين اشتد طغيانهم.
[٢٧] فأرسل الله الناقة الّتي هي من أكبر النعم عليهم ، آية من آيات الله ، ونعمة يحلبون من درّها ، ما يكفيهم أجمعين. (فِتْنَةً لَهُمْ) ، أي : اختبارا منه لهم وامتحانا. (فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) ، أي : اصبر على دعوتك إياهم ، وارتقب ما يحل بهم ، أو ارتقب هل يؤمنون أو يكفرون؟
[٢٨] (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) ، أي : وأخبرهم أن الماء ، أي : موردهم الذي يستعذبونه ، قسمة بينهم وبين الناقة ، لها شرب يوم ، ولهم شرب يوم آخر معلوم. (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) ، أي : يحضره من كان قسمته ، ويحظر على من ليس بقسمة له.
[٢٩] (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) الذي باشر عقرها ، الذي هو أشقى القبيلة (فَتَعاطى) ، أي : انقاد لما أمروه به من عقرها (فَعَقَرَ).
[٣٠] (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) كان أشد عذاب ، أرسل الله عليهم صيحة ورجفة ، أهلكتهم عن آخرهم ، ونجى الله صالحا ومن آمن معه.
[٣١] (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ) في اليوم الرابع من عقرها (صَيْحَةً واحِدَةً) صاح بها جبريل عليهالسلام (فَكانُوا) ، أي : فصاروا (كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) ، والهشيم : الشجر اليابس المتهشم المتكسر ، أو كالحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشتاء ، أي : كهشيم الحظيرة أو الشجر المتخذ لها. والمعنى الإجمالي : «إنا سلطنا عليهم صيحة واحدة ، فصاروا بها كشجر يابس يجمعه من يريد اتخاذ حظيرة لبهائمه».
[٣٢] (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٣٢).
[٣٣ ـ ٤٠] أي : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ) لوطا عليهالسلام ، حين دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، ونهاهم عن الشرك والفاحشة الّتي ما سبقهم بها أحد من العالمين. فكذبوه واستمروا على شركهم وقبائحهم ، حتى إن الملائكة الّذين جاءوه بصورة أضياف حين سمع بهم قومه ، جاءوا مسرعين ، يريدون إيقاع الفاحشة فيهم ، لعنهم الله وقبحهم ، وراودوه عنهم. فأمر الله جبريل عليهالسلام ، فطمس عيونهم ، وأنذرهم نبيهم بطشة الله وعقوبته (بِالنُّذُرِ). (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) (٣٨) قلب الله عليهم ديارهم ، وجعل أسفلها أعلاها ، وتتبعهم بحجارة من سجيل منضود ، مسومة عند ربك للمسرفين. ونجى الله لوطا وأهله من الكرب العظيم ، جزاء لهم على شكرهم لربهم ، وعبادته وحده لا شريك له ، قال تعالى : (عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) (١٠) ، مفهوم ذلك أنه يسير سهل على المؤمنين.
[٤١] أي : (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ) أي : فرعون وقومه (النُّذُرُ) فأرسل الله إليهم موسى الكليم ، وأيده بالآيات البينات ، والمعجزات الباهرات ، وأشهدهم من العبر ما لم يشهد غيرهم ، فكذبوا بآيات الله كلها ، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، فأغرقه وجنوده في اليم.
[٤٣] والمراد من ذكر هذه القصص تحذير الناس والمكذبين لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، ولهذا قال : (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ) ، أي : هؤلاء الذي كذبوا أفضل الرسل ، خير من أولئك المكذبين ، الّذين ذكر الله