عنها ، فازداد لذلك مرضهم ، وترامى بهم إلى الهلاك (وَ) الطبع على قلوبهم ، حتى (ماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ). وهذا عقوبة لهم ، لأنهم كفروا بآيات الله ، وعصوا رسوله ، فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه. قال تعالى ـ موبخا لهم على إقامتهم على ما هم عليه من الكفر والنفاق ـ : (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) بما يصيبهم من البلايا والأمراض ، وبما يبتلون من الأوامر الإلهية التي يراد بها اختبارهم. (ثُمَّ لا يَتُوبُونَ) عما هم عليه من الشر (وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) ما ينفعهم ، فيفعلونه ، وما يضرهم فيتركونه. فالله تعالى يبتليهم ـ كما هي سنته في سائر الأمم ـ بالسراء والضراء وبالأوامر والنواهي ، ليرجعوا إليه ، ثمّ لا يتوبون ، ولا هم يذكرون. وفي هذه الآيات ، دليل على أن الإيمان يزيد وينقص ، وأنه ينبغي للمؤمن أن يتفقد إيمانه ويتعاهده ، فيجدده وينميه ، ليكون دائما في صعود.
[١٢٧] وقوله : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) إلى (لا يَفْقَهُونَ) ، يعني : أن المنافقين الّذين يحذرون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم. (إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) ليؤمنوا بها ، ويعملوا بمضمونها ، (نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) جازمين على ترك العمل بها ، ينتظرون الفرصة ، في الاختفاء عن أعين المؤمنين ، ويقولون : (هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا) متسللين ، وانقلبوا معرضين ، فجازاهم الله بعقوبة من جنس عملهم ، فكما انصرفوا عن العمل (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) أي : صدها عن الحقّ وخذلها. (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) فقها ينفعهم ، فإنهم لو فقهوا ، لكانوا ـ إذا نزلت سورة ـ آمنوا بها ، وانقادوا لأمرها. والمقصود من هذا بيان شدة نفورهم عن الجهاد وغيره من شرائع الإيمان ، كما قال تعالى عنهم : (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ).
[١٢٨ ـ ١٢٩] يمتن تعالى على عباده المؤمنين بما بعث فيهم النبي الأمي الذي من أنفسهم ، يعرفون حاله ، ويتمكنون من الأخذ عنه ، ولا يأنفون عن الانقياد له ، وهو صلىاللهعليهوسلم في غاية النصح لهم ، والسعي في مصالحهم. (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) أي : يشق عليه الأمر ، الذي يشق عليكم ويعنتكم. (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) فيحب لكم الخير ، ويسعى جهده في إيصاله إليكم ، ويحرص على هدايتكم إلى الإيمان ، ويكره لكم الشر ، ويسعى جهده في تنفيركم عنه. (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي : شديد الرأفة والرحمة بهم ، أرحم بهم من والديهم. ولهذا كان حقه مقدما على سائر حقوق الخلق ، وواجب على الأمة الإيمان به ، وتعظيمه ، وتوقيره ، وتعزيره ، (فَإِنْ) آمنوا ، فذلك حظهم وتوفيقهم ، وإن (تَوَلَّوْا) عن الإيمان والعمل ، فامض على سبيلك ، ولا تزل في دعوتك ، وقل : (حَسْبِيَ اللهُ) أي : الله يكفيني جميع ما أهمني ، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : لا معبود بحق سواه. (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) أي : اعتمدت ، ووثقت به ، في جلب ما ينفع ، ودفع ما يضر ، (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) الذي هو أعظم المخلوقات. وإذا كان رب العرش العظيم ، الذي وسع المخلوقات ، كان ربّا لما دونه من باب أولى ، وأحرى. تمّ تفسير سورة التوبة بعون الله ومنّه ، فلله الحمد ، أولا وآخرا ، وظاهرا وباطنا.
تفسير سورة يونس
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٢] يقول تعالى : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) (١) وهو هذا القرآن ، المشتمل على الحكمة والأحكام ،