منثورا ، فتضمحل ولا يبقى منها شيء يشاهد ، فحينئذ تنصب الموازين ، وينقسم الناس قسمين : سعداء وأشقياء.
[٦ ـ ٧] (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) (٦) ، أي : رجحت حسناته على سيئاته (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٧) في جنات النعيم.
[٨] (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) (٨) بأن لم تكن له حسنات تقاوم سيئاته.
[٩] (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) (٩) ، أي : مأواه ومسكنه النار التي من أسمائها الهاوية ، تكون له بمنزلة الأم الملازمة كما قال تعالى : (إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً). وقيل : إن معنى ذلك ، فأم دماغه هاوية في النار ، أي : يلقى في النار على رأسه.
[١٠] (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ) (١٠) وهذا تعظيم لأمرها ، ثمّ فسرها بقوله : (نارٌ حامِيَةٌ) (١١) ، أي : شديدة الحرارة ، قد زادت حرارتها ، على حرارة نار الدنيا بسبعين ضعفا. نستجير بالله منها. تم تفسير سورة القارعة ـ بحمد الله وفضله.
سورة التكاثر
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] يقول تعالى موبخا عباده عن اشتغالهم عما خلقوا له من عبادته وحده لا شريك له ، ومعرفته ، والإنابة إليه ، وتقديم محبته على كلّ شيء. (أَلْهاكُمُ) عن ذلك المذكور (التَّكاثُرُ) ، ولم يذكر المتكاثر به ، ليشمل ذلك كلّ ما يتكاثر به المتكاثرون ، ويفتخر به المفتخرون ، من الأموال ، والأولاد ، والأنصار ، والجنود ، والخدم ، والجاه ، وغير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كلّ واحد للآخر ، وليس المقصود منه وجه الله. فاستمرت غفلتكم ، ولهوتكم ، وتشاغلكم (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) (٢) ، فانكشف حينئذ لكم الغطاء ، ولكن بعد ما تعذر عليكم استئنافه.
[٢] ودل قوله : (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) (٢) أن البرزخ دار ، المقصود منها ، النفوذ إلى الدار الآخرة ، لأن الله سماهم زائرين ، ولم يسمهم مقيمين.
[٣ ـ ٥] فدل ذلك على البعث ، والجزاء على الأعمال ، في دار باقية غير فانية ، ولهذا توعدهم بقوله : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) (٥) ، أي : لو تعلمون ما أمامكم ، علما يصل إلى القلوب ، لما ألهاكم التكاثر ، ولبادرتهم إلى الأعمال الصالحة. ولكن عدم العلم الحقيقي ، صيّركم إلى ما ترون.
[٦] (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (٦) ، أي : لترون القيامة ، فلترون الجحيم ، التي أعدها الله للكافرين.
[٧] (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) (٧) ، أي : رؤية بصرية ، كما قال تعالى : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) (٥٣).
[٨] (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (٨) الذي تنعمتم به في دار الدنيا ، هل قمتم بشكره ، وأديتم حق الله فيه ، ولم تستعينوا به على معاصيه ، فينعمكم نعيما أعلى منه وأفضل. أم اغتررتم به ، ولم تقوموا بشكره؟ بل ربما استعنتم به على المعاصي ، فيعاقبكم على ذلك ، قال تعالى : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ