هلاكهم ، وما جرى عليهم؟ فإن كانوا خيرا منهم ، أمكن أن ينجوا من العذاب ، ولم يصبهم ما أصاب أولئك الأشرار ، وليس الأمر كذلك ، فإنهم إن لم يكونوا شرا منهم ، فليسوا بخير منهم. (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) ، أي : أم أعطاكم الله عهدا وميثاقا في الكتب الّتي أنزلها على الأنبياء ، فتعتقدون حينئذ أنكم الناجون بإخبار الله ووعده؟
[٤٤] وهذا غير واقع ، بل غير ممكن ، عقلا وشرعا ، أن تكتب براءتهم في الكتب الإلهية المتضمنة للعدل والحكمة ، فليس من الحكمة نجاة أمثال هؤلاء المعاندين المكذبين ، لأفضل الرسل وأكرمهم على الله ، فلم يبق إلا أن يكون بهم قوة ينتصرون بها ، فأخبر تعالى أنهم يقولون : (نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ).
[٤٥] قال تعالى مبينا لضعفهم ، وأنهم مهزومون : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (٤٥) فوقع كما أخبر ، هزم الله جمعهم الأكبر يوم «بدر» ، وقتل صناديدهم وكبراؤهم ، فأذلوا ونصر الله دينه ونبيه ، وحزبه المؤمنين.
[٤٦] ومع ذلك ، فلهم موعد يجمع به أولهم وآخرهم ، ومن أصيب في الدنيا منهم ، ومن متع بلذاته ، ولهذا قال : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) الذي يجازون به ، ويؤخذ منهم الحقّ بالقسط. (وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) ، أي : أعظم وأشق ، وأكبر من كلّ ما يتوهم ، أو يدور في الخيال.
[٤٧] (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) ، أي : الّذين أكثروا من فعل الجرائم ، وهي الذنوب العظيمة من الشرك وغيره ، من المعاصي (لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) ، أي : هم ضالون في الدنيا ، ضلال عن العلم ، وضلال عن العمل ، الذي ينجيهم من العذاب ، ويوم القيامة من العذاب الأليم ، والنار الّتي تستعر بهم ، وتشتعل في أجسامهم ، حتى تبلغ أفئدتهم.
[٤٨] (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) الّتي هي أشرف ما بهم من الأعضاء ، وألمها أشد من غيرها ، فيهانون بذلك ، ويخزون ، ويقال لهم : (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) ، أي : ذوقوا ألم النار وأسفها ، وغيظها ولهبها.
[٤٩] (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٤٩) وهذا شامل للمخلوقات ، والعوالم العلوية والسفلية ، إن الله تعالى وحده خلقها لا خالق لها سواه ، ولا مشاركة في خلقه.
[٥٠] وخلقها بقضاء سبق به علمه ، وجرى به قلمه ، بوقتها ومقدارها ، وجميع ما اشتملت عليه من الأوصاف ، وذلك على الله يسير ، فلهذا قال : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (٥٠) فإذا أراد شيئا قال له كن فيكون كما أراد ، كلمح البصر ، من غير ممانعة ولا صعوبة.
[٥١] (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ) من الأمم السابقين الّذين عملوا كما عملتم ، وكذبوا كما كذبتم (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) ، أي : متذكر يعلم أن سنة الله في الأولين والآخرين واحدة ، وأن حكمته كما اقتضت إهلاك أولئك الأشرار فإن هؤلاء مثلهم ، ولا فرق بين الفريقين.
[٥٢] (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) (٥٢) ، أي : كل ما فعلوه من خير وشر مكتوب عليهم في الكتب القدرية
[٥٣] (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) (٥٣) ، أي : مسطر مكتوب. وهذه حقيقة القضاء والقدر ، وأن جميع الأشياء كلها ، قد علمها الله تعالى ، وسطرها عنده في اللوح المحفوظ ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن. فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
[٥٤] (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) لله ، بفعل أوامره ، وترك نواهيه ، الّذين اتقوا الشرك والكبائر والصغائر. (فِي جَنَّاتٍ