سورة إبراهيم
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] يخبر تعالى ، أنه أنزل كتابه على رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، لنفع الخلق ، ليخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والأخلاق السيئة ، وأنواع المعاصي ، إلى نور العلم والإيمان ، والأخلاق الحسنة ، وقوله : (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي : لا يحصل منهم المراد المحبوب لله ، إلا بإرادة من الله ومعونة ، ففيه حث للعباد على الاستعانة بربهم. ثمّ فسر النور الذي يهديهم إليه هذا الكتاب ، فقال : (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) أي : الموصل إليه وإلى دار كرامته ، المشتمل على العلم بالحق والعمل به ، وفي ذكر (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) بعد ذكر الصراط الموصل إليه ، إشارة إلى أن من سلكه ، فهو عزيز بعزة الله ، قوي ، ولو لم يكن له أنصار إلا الله ، محمود في أموره ، حسن العاقبة.
[٢] وليدل ذلك على أن صراط الله ، من أكبر الأدلة على ما لله ، من صفات الكمال ، ونعوت الجلال ، وأن الذي نصبه لعباده ، عزيز السلطان ، حميد ، في أقواله ، وأفعاله ، وأحكامه ، وأنه مألوه معبود بالعبادات ، التي هي منازل الصراط المستقيم ، وأنه كما أن له ملك السموات والأرض ، خلقا ورزقا ، وتدبيرا ، فله الحكم على عباده بأحكامه الدينية ، لأنهم ملكه ، ولا يليق به أن يتركهم سدى ، فلما بين الدليل والبرهان ، توعد من لم ينقد لذلك فقال : (وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) لا يقدر قدره ، ولا يوصف أمره.
[٣] ثمّ وصفهم بأنهم. (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) فرضوا بها ، واطمأنوا ، وغفلوا عن الدار الآخرة. (وَيَصُدُّونَ) الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) التي نصبها لعباده ، وبينها في كتبه ، وعلى ألسنة رسله ، فهؤلاء قد نابذوا مولاهم بالمعاداة والمحاربة ، (وَيَبْغُونَها) أي : سبيل الله (عِوَجاً) أي : يحرصون على تهجينها وتقبيحها ، للتنفير منها ، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. (أُولئِكَ) الّذين ذكر وصفهم (فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) لأنهم ضلوا ، وأضلوا وشاقوا الله ورسوله ، وحاربوهم. فأي ضلال أبعد من هذا؟ ، وأما أهل الإيمان ، فعكس هؤلاء ، يؤمنون بالله وآياته ، ويستحبون الآخرة على الدنيا ، ويدعون إلى سبيل الله ويحسنونها ، مهما أمكنهم ، ويبغون استقامتها.
[٤] وهذا من لطفه بعباده ، أنه ما أرسل رسولا ، (إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) ما يحتاجون إليه ، ويتمكنون من تعلم ما أتى به ، بخلاف ما لو أتى على غير لسانهم ، فإنهم يحتاجون إلى تلك اللغة ، التي يتكلم بها ، ثمّ يفهمون عنه ، فإذا بين الرسول ما أمروا به ، ونهوا عنه ، وقامت عليهم حجة الله (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) ، ممن لم ينقد للهدى ، ويهدي من يشاء ، ممن اختصه برحمته. (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، الذي ـ من عزته ـ أنه انفرد بالهداية والإضلال ، وتقليب القلوب إلى ما شاء ومن حكمته أنه لا يضع هدايته ولا إضلاله ، إلا بالمحل اللائق به. ويستدل