سورة المدثر
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] تقدم أن المزمل والمدثر بمعنى واحد ، وأن الله أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم ، بالاجتهاد في عبادات الله القاصرة والمتعدية ، فتقدم هناك ، الأمر له بالعبادات الفاضلة والقاصرة ، والصبر على أذى قومه. وأمره هنا بالإعلان بالدعوة ، والصدع بالإنذار ، فقال :
[٢] (قُمْ) ، أي : بجد ونشاط (فَأَنْذِرْ) الناس ، بالأقوال والأفعال الّتي يحصل بها المقصود ، وبيان حال المنذر عنه ، ليكون ذلك أدعى لتركه.
[٣] (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) (٣) ، أي : عظمه بالتوحيد ، واجعل قصدك في إنذارك وجه الله ، وأن يعظمه العباد ويقوموا بعبادته.
[٤] (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٤) يحتمل أن المراد بالثياب ، أعماله كلها ، وبتطهيرها تخليصها والنصح بها ، وإيقاعها على أكمل الوجوه ، وتنقيتها عن المبطلات والمفسدات ، والمنقصات من شر ورياء ، ونفاق ، وعجب وتكبر وغفلة ، وغير ذلك ، مما يؤمر العبد باجتنابه في عباداته. ويدخل في ذلك تطهير الثياب من النجاسة ، فإن ذلك من تمام التطهير للأعمال خصوصا في الصلاة ، الّتي قال كثير من العلماء : إن إزالة النجاسة عنها ، شرط من شروطها : ـ أي : من شروط صحتها ـ. ويحتمل أن المراد بثيابه ، الثياب المعروفة ، وأنه مأمور بتطهيرها عن جميع النجاسات ، في جميع الأوقات ، خصوصا عند الدخول في الصلوات ، وإذا كان مأمورا بطهارة الظاهر ، فإن طهارة الظاهر ، من تمام طهارة الباطن.
[٥] (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (٥) يحتمل أن المراد بالرجز : الأصنام ، والأوثان ، الّتي عبدت مع الله ، فأمره بتركها والبراءة منها ، ومما نسب إليها ، من قول أو عمل. ويحتمل أن المراد بالرجز : أعمال الشر كلها ، وأقواله ، فيكون أمرا له بترك الذنوب ، صغارها وكبارها ، ظاهرها وباطنها ، فيدخل في هذا الشرك فما دونه.
[٦] (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (٦) ، أي : لا تمنن على الناس ، بما أسديت إليهم من النعم الدينية والدنيوية ، فتستكثر بتلك المنة ، وترى الفضل عليهم. بل أحسن إلى الناس ، مهما أمكنك ، وانس عندهم إحسانك ، واطلب أجرك من الله تعالى ، واجعل من أحسنت إليه وغيره ، على حد سواء. وقد قيل : إن معنى هذا ، ألا تعطي أحدا شيئا ، وأنت تريد أن يكافئك عليه بأكثر منه ، فيكون هذا خاصا بالنبي صلىاللهعليهوسلم.
[٧] (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (٧) ، أي : احتسب بصبرك ، واقصد به وجه الله تعالى. فامتثل رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأمر ربه ، وبادر فيه ، فأنذر الناس ، وأوضح لهم بالآيات البينات ، جميع المطالب الإلهية. وعظم الله تعالى ، ودعا الخلق إلى تعظيمه ، وطهر أعماله الظاهرة والباطنة من كلّ سوء. وهجر كلّ ما يعبد من دون الله ، وما يعبد معه من الأصنام وأهلها ، والشر وأهله. وله المنة على الناس ـ بعد منة الله ـ من غير أن يطلب عليهم بذلك جزاء ولا شكورا. وصبر لربه أكمل صبر ، فصبر على طاعة الله ، وعن معاصيه ، وصبر على أقداره المؤلمة ، حتى فاق أولي العزم من المرسلين ، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
[٨] أي : فإذا نفخ في الصور للقيام من القبور ، وجمع الخلائق للبعث والنشور.
[٩] (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) (٩)