المهاجرين والأنصار ، أي : المؤمنون (حَقًّا) لأنهم صدقوا إيمانهم بما قاموا به من الهجرة والنصرة والموالاة بعضهم لبعض ، وجهادهم لأعدائهم من الكفار والمنافقين. (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) من الله ، تمحى بها سيئاتهم ، وتضمحل بها زلاتهم. (وَ) لهم (رِزْقٌ كَرِيمٌ) أي : خير كثير من الرب الكريم في جنات النعيم. وربما حصل لهم من الثواب المعجل ما تقرّ به أعينهم ، وتطمئن به قلوبهم ، وكذلك من جاء بعد هؤلاء المهاجرين والأنصار ، ممن اتبعهم بإحسان فآمن وهاجر وجاهد في سبيل الله. (فَأُولئِكَ مِنْكُمْ) لهم ما لكم وعليهم ما عليكم. فهذه الموالاة الإيمانية ـ وقد كانت في أول الإسلام ـ لها وقع كبير ، وشأن عظيم ، حتى إن النبي صلىاللهعليهوسلم آخى بين المهاجرين والأنصار أخوة خاصة ، غير الأخوة الإيمانية العامة ، وحتى كانوا يتوارثون بها ، فأنزل الله (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) ، فلا يرثه إلا أقاربه من العصبات ، وأصحاب الفروض. فإن لم يكونوا ، فأقرب قراباته ، من ذوي الأرحام ، كما دل عليه عموم الآية الكريمة ، وقوله : (فِي كِتابِ اللهِ) أي : في حكمه وشرعه. (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ومنه ما يعلمه ، من أحوالكم ، التي يجري من شرائعه الدينية عليكم ، ما يناسبها. تم تفسير سورة الأنفال ولله الحمد والمنة.
تفسير سورة التوبة
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
[١ ـ ٢] أي : هذه براءة من الله ، ومن رسوله إلى جميع المشركين المعاندين ، أن لهم أربعة أشهر ، يسيحون في الأرض على اختيارهم ، آمنين من المؤمنين ، وبعد الأربعة الأشهر ، فلا عهد له ولا ميثاق. وهذا لمن كان له عهد مطلق ، غير مقدر ، أو مقدر بأربعة أشهر ، فأقل. أما من كان له عهد مقدر ، بزيادة على أربعة أشهر ، فإنه يتعين أن يتمم له عهده ، إذا لم يخف منه خيانة ، ولم يبدأ بنقض العهد. ثمّ أنذر المعاهدين في مدة عهدهم ، أنهم وإن كانوا آمنين ، فإنهم لن يعجزوا الله ، ولن يفوتوه ، وأنه من استمر منهم على شركه فإنه لا بد أن يخزيه ، فكان هذا ، مما يجلبهم إلى الدخول في الإسلام ، إلا من عائد وأصر ، ولم يبال بوعيد الله.
[٣] هذا ما وعد الله به المؤمنين ، من نصر دينه ، وإعلاء كلمته ، وخذلان أعدائهم ، من المشركين ، الّذين أخرجوا الرسول ومن معه من مكة ، من بيت الله الحرام ، وأجلوهم مما لهم التسلط عليه من أرض الحجاز. نصر الله رسوله والمؤمنين حتى افتتح مكة ، وأذل المشركين ، وصار للمؤمنين الحكم والغلبة على تلك الديار. فأمر النبي صلىاللهعليهوسلم