وغراسها ، والبنيان فيها ، وسلوك طرقها. واعلم أن تسطيحها لا ينافي أنها كرة مستديرة ، قد أحاطت الأفلاك فيها من جميع جوانبها ، كما دل على ذلك النقل والعقل ، والحس والمشاهدة ، كما هو مذكور معروف عند كثير من الناس ، خصوصا في هذه الأزمنة ، التي وقف فيها الناس على أكثر أرجائها ، بما أعطاهم الله من الأسباب المقربة للبعيد. فإن التسطيح ، إنما ينافي كروية الجسم الصغير جدا ، الذي لو سطح ، لم يبق له استدارة تذكر. وأما جسم الأرض الذي هو كبير جدا وواسع ، فيكون كرويا مسطحا ، ولا يتنافى الأمران ، كما يعرف ذلك أرباب الخبرة.
[٢١] (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) (٢١) ، أي : ذكّر الناس وعظهم وأنذرهم وبشّرهم ، فإنك مبعوث لدعوة الخلق إلى الله وتذكيرهم ، ولم تبعث مسيطرا عليهم ، مسلّطا ، ولا موكّلا بأعمالهم. فإذا قمت بما عليك ، فلا عليك بعد ذلك لوم ، كقوله تعالى : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ).
[٢٣ ـ ٢٤] وقوله : (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) (٢٣) ، أي : لكن من تولى عن الطاعة وكفر بالله (فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) (٢٤) ، أي : الشديد الدائم.
[٢٥] (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) (٢٥) أي : رجوع الخلائق وجمعهم في يوم القيامة.
[٢٦] (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) (٢٦) على ما عملوا ، من خير وشر.
تفسير سورة الفجر
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٣] الظاهر أن المقسم عليه ، هو المقسم به ، وذلك جائز مستعمل ، إذا كان أمرا ظاهرا مهمّا ، وهو كذلك في هذا الموضع. فأقسم تعالى بالفجر ، الذي هو آخر الليل ، ومقدمة النهار ، لما في إدبار الليل ، وإقبال النهار ، من الآيات الدالة على كمال قدرة الله تعالى ، وأنه تعالى هو المدبر لجميع الأمور ، الذي لا تنبغي العبادة إلا له. ويقع في الفجر ، صلاة فاضلة معظمة ، يحسن أن يقسم الله بها. ولهذا أقسم بعده ، بالليالي العشر ، وهي على الصحيح : ليالي عشر رمضان ، أو عشر ذي الحجة ، فإنها ليال مشتملة على أيام فاضلة ، ويقع فيها من العبادات والقربات ، ما لا يقع في غيرها. وفي ليالي عشر رمضان ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر ، وفي نهارها ، صيام آخر رمضان الذي هو أحد أركان الإسلام العظام. وفي أيام عشر ذي الحجة ، الوقوف بعرفة ، الذي يغفر الله فيه لعباده مغفرة ، يحزن لها الشيطان ، فإنه ما رئي الشيطان أحقر ولا أدحر منه في يوم عرفة ، لما يرى من تنزّل الأملاك والرحمة من الله على عباده. ويقع فيها كثير من أفعال الحج والعمرة. وهذه أشياء معظمة ، مستحقة أن يقسم الله بها.