فاستمسك بغرزه حتى تموت ، فو الله إنه لعلى الحق ، قال عمر : فعملت لذلك أعمالا. فلما فرغ من قضية الكتاب ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قوموا وانحروا ، ثمّ احلقوا» ، فو الله ما قام منهم رجل حتى قال ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد ، قام فدخل على أم سلمة ، فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت : يا رسول الله أتحب ذلك؟ اخرج ، ثمّ لا تكلم أحدا كلمة ، حتى تنحر بدنك ، وتدعو حالقك ، فيحلق لك ، فقام فخرج ، فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنه ، ودعا حالقه فحلقه. فلما رأى الناس ذلك ، قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضا ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما. ثمّ جاءت نسوة مؤمنات ، فأنزل الله عزوجل : (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) حتى بلغ (بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) ، فطلّق عمر يومئذ امرأتين ، كانتا عنده في الشرك ، فتزوج إحداهما معاوية ، والأخرى صفوان بن أمية ، ثمّ رجع إلى المدينة. وفي مرجعه أنزل الله عليه : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (١) إلى آخرها ، فقال عمر : أفتح هو يا رسول الله؟ فقال : «نعم» ، فقال الصحابة : هنيئا لك يا رسول الله ، فما لنا؟ فأنزل الله عزوجل : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية. انتهى. وهذا آخر تفسير سورة الفتح ولله الحمد ، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. نقلته من خط المفسر رحمهالله وعفا عنه ، وكان الفراغ من كتابته في ١٣ ذي الحجة سنة ١٣٤٥ ه ، وصلّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين آمين. بقلم الفقير إلى ربه ، سليمان بن حمد العبد الله البسام ، غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين آمين. وصلّى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
تفسير سورة الحجرات
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] هذا متضمن للأدب مع الله تعالى ، ومع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والتعظيم والاحترام له ، وإكرامه. فأمر الله عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان بالله ورسوله ، من امتثال أوامر الله ، واجتناب نواهيه ، وأن يكونوا ماشين ، خلف أوامر الله ، متبعين لسنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في جميع أمورهم ، وأن لا يتقدموا بين يدي الله ورسوله ، فلا يقولوا حتى يقول ، ولا يأمروا حتى يأمر. فإن هذا حقيقة الأدب الواجب مع الله ورسوله ، وهو عنوان سعادة العبد وفلاحه ، وبفواته تفوته السعادة الأبدية ، والنعيم السرمدي. وفي هذا ، النهي الشديد عن تقديم قول غير الرسول صلىاللهعليهوسلم على قوله ، فإنه متى. استبانت سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجب اتباعها ، وتقديمها على غيرها ، كائنا من كان. ثمّ أمر الله بتقواه عموما ، وهي كما