مصلحته ، أن يكونوا فيه جميعا ، كالجهاد ، والمشاورة ، ونحو ذلك من الأمور التي يشترك فيها المؤمنون ، فإن المصلحة ، تقتضي اجتماعهم عليه ، وعدم تفرقهم. فالمؤمن بالله ورسوله حقا ، لا يذهب لأمر من الأمور ، ولا يرجع لأهله ، ولا يذهب لبعض الحوائج ، التي يشذ بها عنهم ، إلا بإذن من الرسول ، أو نائبه من بعده. فجعل موجب الإيمان ، عدم الذهاب إلا بإذن ، ومدحهم على فعلهم هذا ، وأدبهم مع رسوله ، وولي الأمر منهم فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) ، ولكن هل يأذن لهم أم لا؟ ذكر لإذنه شرطين : أحدهما : أن يكون لشأن من شؤونهم ، وشغل من أشغالهم ، فأما من يستأذن من غير عذر ، فلا يؤذن له. والثاني : أن يشاء الإذن فتقتضيه المصلحة ، من دون مضرة بالإذن فلذلك قال : (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) ، فإذا كان له عذر واستأذن ، فإن كان في قعوده وعدم ذهابه ، مصلحة برأيه ، أو شجاعته ، ونحو ذلك ، لم يأذن له. ومع هذا إذا استأذن ، وأذن له بشرطيه ، أمر الله رسوله ، أن يستغفر له ، لما عسى أن يكون مقصرا في الاستئذان ولهذا قال : (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر لهم الذنوب ، ويرحمهم ، بأن جوز لهم الاستئذان مع العذر.
[٦٣] (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) فإذا دعاكم فأجيبوه وجوبا ، حتى إنه تجب إجابة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، في حال الصلاة ، وليس أحد إذا قال قولا ، يجب على الأمة قبول قوله ، والعمل به ، إلا الرسول ، لعصمته ، وكوننا مخاطبين باتباعه ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) ، وكذلك لا تجعلوا دعاءكم للرسول كدعاء بعضكم بعضا ، فلا تقولوا : «يا محمد» عند ندائكم ، أو «يا محمد بن عبد الله» كما يقول ذلك بعضكم لبعض ، بل من شرفه وفضله وتميزه صلىاللهعليهوسلم عن غيره ، أن يقال : يا رسول الله ، يا نبي الله. (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً) لما مدح المؤمنين بالله ورسوله ، الّذين إذا كانوا معه على أمر جامع ، لم يذهبوا حتى يستأذنوه ، توعد من لم يفعل ذلك ، وذهب من غير استئذان. فهو وإن خفي عليكم بذهابه على وجه خفي وهو المراد بقوله (يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً) أي : يلوذون وقت تسللهم وانطلاقهم ، بشيء يحجبهم عن العيون ، فالله يعلمهم وسيجازيهم على ذلك ، أتم الجزاء ، ولهذا توعدهم بقوله : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) أي : يذهبون إلى بعض شؤونهم عن أمر الله ورسوله ، فكيف بمن لم يذهب إلى شأن من شؤونه؟ وإنّما ترك أمر الله ، من دون شغل له. (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) أي : شرك وشر (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
[٦٤] (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ملكا وعبيدا ، يتصرف فيهم بحكمه القدري ، وحكمه الشرعي. (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) أي : قد أحاط علمه ، بما أنتم عليه ، من خير ، وشر ، وعلم جميع أعمالكم ، أحصاها علمه ، وجرى بها قلمه ، وكتبتها عليكم الحفظة الكرام الكاتبون. (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ) أي : يوم القيامة (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) يخبرهم بجميع أعمالهم ، دقيقها ، وجليلها ، إخبارا مطابقا ، لما وقع منهم ويستشهد عليهم ، أعضاءهم ، فلا يعدمون منه فضلا ، أو عدلا. ولما قيد علمه بأعمالهم ، ذكر العموم بعد الخصوص ، فقال : (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). تم تفسير سورة النور ولله الحمد والشكر.
تفسير سورة الفرقان
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] هذا بيان لعظمته الكاملة ، وتفرده بالوحدانية من كل وجه ، وكثرة خيراته وإحسانه ، فقال : (تَبارَكَ) أي :