(ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ، وأي فوز أعظم من نيل رضوان الله وجنته ، والسلامة من عذابه وسخطه؟ (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ) ، أي : القرآن (بِلِسانِكَ) ، الذي هو أفصح الألسنة على الإطلاق وأجلها ، فتيسر به لفظه ، وتيسر به معناه. (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ما فيه نفعهم فيفعلونه ، وما فيه ضررهم فيتركونه. (فَارْتَقِبْ) ، أي انتظر ما وعدك ربك ، من الخير والنصر (إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) ما يحل بهم من العذاب ، وفرق بين الارتقابين : رسول الله وأتباعه يرتقبون الخير في الدنيا والآخرة. وضدهم ، يرتقبون الشر في الدنيا والآخرة. تم تفسير سورة الدخان ـ ولله الحمد والمنة.
سورة الجاثية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[٢] يخبر تعالى خبرا ، يتضمن الأمر بتعظيم القرآن ، والاعتناء به ، وأنه (تَنْزِيلُ) ، ... (مِنَ اللهِ) المألوه المعبود ، لما اتصف به من صفات الكمال ، وانفرد به من النعم ، الذي له العزة الكاملة والحكمة التامة.
[٣] ثمّ أيد ذلك بما ذكره من الآيات الأفقية والنفسية ، من خلق السماوات والأرض ، وما بث فيهما من الدواب ، وما أودع فيهما من المنافع ، وما أنزل الله من الماء ، الذي يحيي به الله البلاد والعباد. فهذه كلها آيات بينات ، وأدلة واضحات ، على صدق هذا القرآن العظيم ، وصحة ما اشتمل عليه من الحكم والأحكام ، ودالات أيضا على ما لله تعالى من الكمال ، وعلى البعث والنشور. ثمّ قسم تعالى الناس ، بالنسبة إلى الانتفاع بآياته وعدمه ، إلى قسمين : قسم يستدلون بها ، ويتفكرون بها ، وينتفعون فيرتفعون وهم المؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر إيمانا تاما ، وصل بهم إلى درجة اليقين ، فزكى منهم العقول ، وازدادت به معارفهم وألبابهم وعلومهم. وقسم يسمع آيات الله سماعا تقوم به الحجة عليهم ، ثمّ يعرض عنها ، ويستكبر ـ كأنه ما سمعها ، لأنها لم تزك قلبه ، ولا طهّرته ، بل ـ بسبب استكباره عنها ، ازداد طغيانه.
[٧] وأنه إذا علم من آيات الله شيئا ، اتخذها هزوا ، فتوعده الله تعالى بالويل فقال : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) (٧) ، أي : كذاب في مقاله ، أثيم في فعاله.
[١٠] وأخبر أن له عذابا أليما ، وأن (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) تكفي في عقوبتهم البليغة. وأنه (لا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا) من الأمول (شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) يستنصرون بهم فخذلوهم ، أحوج ما كانوا إليهم لو نفعوا.
[١١] فلما بيّن آياته القرآنية والعيانية ، وأن الناس فيها على قسمين ، أخبر عن القرآن المشتمل على هذه المطالب العالية ، أنه هدى ، فقال : (هذا هُدىً) وهو وصف عام لجميع القرآن ، فإنه يهدي إلى معرفة الله تعالى ، بصفاته المقدسة ، وأفعاله الحميدة. ويهدي إلى معرفة رسله ، وأوليائهم ، وأعدائهم ، وأوصافهم ، ويهدي إلى الأعمال الصالحة ويدعو إليها ، ويبين الأعمال السيئة وينهى عنها ، ويهدي إلى بيان الجزاء على الأعمال ، ويبين الجزاء الدنيوي