أي : منعتم من الوصول إلى البيت لتكميلهما ، بمرض أو ضلالة أو عدو ، ونحو ذلك من أنواع الحصر ، الذي هو المنع. (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ، أي : فاذبحوا ما استيسر من الهدي ، وهو سبع بدنة ، أو سبع بقرة ، أو شاة يذبحها المحصر ، ويحلق ويحل من إحرامه بسبب الحصر كما فعل النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، لما صدهم المشركون عام الحديبية. فإن لم يجد الهدي ، فليصم بدله عشرة أيام كما في المتمتع ، ثم يحل. ثم قال تعالى : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ، وهذا من محظورات الإحرام ، إزالة الشعر بحلق أو غيره ، لأن المعنى واحد ، من الرأس ، أو من البدن ، لأن المقصود من ذلك حصول الشعث والمنع من الترفه بإزالته ، وهو موجود في بقية الشعر. وقاس كثير من العلماء على إزالة الشعر ، تقليم الأظفار بجامع الترفه ، ويستمر المنع مما ذكر ، حتى يبلغ الهدي محله ، وهو يوم النحر ، والأفضل أن يكون الحلق بعد النحر ، كما تدل عليه الآية. ويستدل بهذه الآية على أن المتمتع إذا ساق الهدي لم يتحلل من عمرته قبل يوم النحر ، فإذا طاف وسعى للعمرة ، أحرم بالحج ، ولم يكن له إحلال بسبب سوق الهدي ، وإنما منع تبارك وتعالى من ذلك ، لما فيه من الذل والخضوع لله ، والانكسار له ، والتواضع الذي هو عين مصلحة العبد ، وليس عليه في ذلك من ضرر. فإذا حصل الضرر بأن كان به أذى من مرض ، ينتفع بحلق رأسه له ، أو قروح ، أو قمل ونحو ذلك ، فإنه يحل له أن يحلق رأسه ، ولكن يكون عليه فدية ، من صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام ستة مساكين ، أو نسك ما يجزىء في أضحية ، فهو مخير. والنسك أفضل ، فالصدقة ، فالصيام. ومثل هذا ، كل ما كان في معنى ذلك من تقليم الأظفار ، أو تغطية الرأس ، أو لبس المخيط ، أو الطيب ، فإنه يجوز عند الضرورة ، مع وجود الفدية المذكورة لأن القصد من الجميع إزالة ما به يترفه. ثم قال تعالى : (فَإِذا أَمِنْتُمْ) ، أي : بأن قدرتم على المبيت من غير مانع عدو وغيره. (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ) ، بأن توصل بها إليه ، وانتفع بتمتعه بعد الفراغ منها. (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ، أي : فعليه ما تيسر من الهدي ، وهو ما يجزىء في أضحية ، وهذا دم نسك ، مقابلة لحصول النسكين له في سفرة واحدة ، ولإنعام الله عليه بحصول الانتفاع بالمتعة بعد فراغ العمرة ، وقبل الشروع في الحج ، ومثله القران لحصول النّسكين له. ويدل مفهوم الآية على أن المفرد للحج ليس عليه هدي ، ودلت الآية على جواز بل فضيلة المتعة ، وعلى جواز فعلها في أشهر الحج. (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) ، أي : الهدي أو ثمنه (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ) ، أول جوازها من حين الإحرام بالعمرة ، وآخرها ثلاثة أيام بعد النحر ، أيام رمي الجمار ، والمبيت ب «منى». ولكن الأفضل منها أن يصوم السابع والثامن والتاسع. (وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) ، أي : فرغتم من أعمال الحج ، فيجوز فعلها في مكة ، وفي الطريق ، وعند وصوله إلى أهله. (ذلِكَ) المذكور من وجوب الهدي على المتمتع. (لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) بأن كان عند مسافة قصر فأكثر ، أو بعيدا عن عرفات ، فهذا الذي يجب عليه الهدي ، لحصول النسكين له في سفر واحد ، وأما من كان أهله من حاضري المسجد الحرام ، فليس عليه هدي ، لعدم الموجب لذلك. (وَاتَّقُوا اللهَ) ، أي : في جميع أموركم ، بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، ومن ذلك ، امتثالكم لهذه المأمورات واجتناب هذه المحظورات المذكورة في هذه