الْكِتابَ) أي : جعلناه متوارثا بينهم ، من قرن إلى آخر ، وهو التوراة.
[٥٤] وذلك الكتاب مشتمل على (هُدىً) وهو : العلم بالأحكام الشرعية وغيرها. (وَذِكْرى) أي : التذكر للخير ، بالترغيب فيه ، وعن الشر ، بالترهيب عنه. وليس ذلك لكل أحد ، وإنما هو (لِأُولِي الْأَلْبابِ).
[٥٥] (فَاصْبِرْ) يا أيها الرسول ، كما صبر من قبلك ، من المرسلين أولي العزم. (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي : ليس مشكوكا فيه ، أو فيه ريب أو كذب ، حتى يعسر عليك الصبر. وإنما هو الحق المحض ، والهدف الصرف ، الذي يصبر عليه الصابرون ، ويجتهد في التمسك به ، أهل البصائر. فقوله : (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) من الأسباب التي تحث على الصبر على طاعة الله ، والكف عن ما يكره الله. (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) المانع لك من تحصيل فوزك وسعادتك. فأمره بالصبر الذي فيه يحصل المحبوب ، وبالاستغفار ، الذي فيه دفع المحذور. (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) خصوصا (بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) اللذين هما أفضل الأوقات ، وفيهما من الأوراد والوظائف الواجبة والمستحبة ما فيهما لأن في ذلك عونا على جميع الأمور.
[٥٦] يخبر تعالى أن من جادل في آياته ليبطلها بالباطل ، بغير بينة من أمره ، ولا حجة ، إن هذا صادر ، من كبر في صدورهم على الحق ، وعلى من جاء به ، يريدون الاستعلاء عليه ، بما معهم من الباطل ، فهذا قصدهم ومرادهم. ولكن هذا ، لا يتم لهم ، وليسوا ببالغيه. فهذا نص صريح ، وبشارة ، بأن كل من جادل الحق مغلوب ، وكل من تكبّر عليه ، فهو في نهايته ذليل. (فَاسْتَعِذْ) أي : الجأ واعتصم (بِاللهِ) ولم يذكر ما يستعيذ منه ، إرادة للعموم. أي : استعذ بالله ، من الكبر الذي يوجب التكبّر على الحق. واستعذ بالله من شياطين الإنس والجن ، واستعذ بالله من جميع الشرور. (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لجميع الأصوات على اختلافها. (الْبَصِيرُ) بجميع المرئيات ، بأي محل وموضع وزمان كانت.
[٥٧] يخبر تعالى بما تقرر في العقول ، أن خلق السموات والأرض ـ على عظمهما وسعتهما ـ أعظم وأكبر ، من خلق الناس ـ فإن الناس بالنسبة إلى خلق السموات والأرض ـ من أصغر ما يكون. فالذي خلق الأجرام العظيمة وأتقنها ، قادر على إعادة الناس بعد موتهم من باب أولى وأحرى. وهذا أحد الأدلة العقلية الدالة على البعث ، دلالة قاطعة ، بمجرد نظر العاقل إليها ، يستدل بها استدلالا ، لا يقبل الشك والشبهة ، بوقوع ما أخبرت به الرسل من البعث. وليس كل أحد يجعل فكره لذلك ، ويقبل على تدبره ، ولهذا قال : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ولذلك لا يعتبرون بذلك ، ولا يجعلونه منهم على بال. ثم قال تعالى :
[٥٨] (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ) أي : كما لا يستوي الأعمى والبصير ، كذلك لا يستوي من آمن بالله ، وعمل الصالحات ، ومن كان مستكبرا على عبادة ربه ، مقدما على معاصيه ، ساعيا في مساخطه. (قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) أي : تذكركم قليل ، وإلا ، فلو تذكرتم مراتب الأمور ، ومنازل الخير والشر ، والفرق بين الأبرار والفجّار ، وكانت لكم همة عليه ، لآثرتم النافع على الضار ، والهدى على الضلال ، والسعادة الدائمة ، على الدنيا الفانية.
[٥٩] (إِنَّ السَّاعَةَ