منكم ، ويكفيني شركم ، ويعلم أحوالكم ، فلا تتصرفون إلا بإرادته ومشيئته. فإن سلطكم عليّ ، فبحكمة منه تعالى ، وعن إرادته ومشيئته صدر ذلك.
[٤٥] (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) أي : وقى الله القويّ ، ذلك الرجل المؤمن الموفق ، عقوبات ما مكر فرعون وآله له ، من إرادة إهلاكه وإتلافه ، لأنه بادأهم بما يكرهون. وأظهر لهم الموافقة التامة لموسى عليهالسلام ، ودعاهم إلى ما دعاهم إليه موسى. وهذا أمر لا يحتملونه ، وهم الذين لهم القدرة ، إذ ذاك ، وقد أغضبهم ، واشتد حنقهم عليه ، فأرادوا به كيدا فحفظه الله من كيدهم ومكرهم ، وانقلب كيدهم ومكرهم ، على أنفسهم. (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) أغرقهم الله تعالى ، في صيحة واحدة عن آخرهم.
[٤٦] وفي البرزخ (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (٤٦) فهذه العقوبات الشنيعة ، التي تحل بالمكذبين لرسل الله ، المعاندين لأمره.
[٤٧] يخبر تعالى عن تخاصم أهل النار ، وعتاب بعضهم بعضا ، واستغاثتهم بخزنة النار ، وعدم الفائدة في ذلك فقال : (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ) يحتج التابعون بإغواء المتبوعين ، ويتبرأ المتبوعون من التابعين. (فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ) أي : الأتباع (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) على الحق ، من القادة الذين دعوهم إلى ما استكبروا لأجله. (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) أنتم أغويتمونا ، وأضللتمونا ، وزينتم لنا الشرك والشر. (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ) أي : ولو قليلا.
[٤٨] (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) مبينين لعجزهم ، ونفوذ الحكم الإلهي في الجميع : (إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ) وجعل لكل قسطه من العذاب ، فلا يزاد في ذلك ، ولا ينقص منها ، ولا يغير ما حكم به الحكيم.
[٤٩] (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ) من المستكبرين والضعفاء (لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ) لعله تحصل بعض الراحة.
[٥٠] (قالُوا) لهم موبخين ، ومبينين أن شفاعتهم لا تنفعهم ، ودعاءهم لا يفيدهم شيئا : (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ) التي تبينتم بها الحق ، والصراط المستقيم ، وما يقرب من الله ، وما يبعد منه؟ (قالُوا بَلى) قد جاؤونا بالبينات ، وقامت علينا حجة الله البالغة ، فظلمنا ، وعاندنا الحق بعد ما تبين. (قالُوا) أي الخزنة ، لأهل النار ، متبرئين من الدعاء لهم والشفاعة : (فَادْعُوا) أنتم ولكن هذا الدعاء ، هل يغني شيئا أم لا؟ قال تعالى : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أي : باطل لاغ ، لأن الكفر محبط لجميع الأعمال ، صادّ لإجابة الدعاء.
[٥١] أي : لما ذكر عقوبة آل فرعون في الدنيا ، والبرزخ ، ويوم القيامة ، وذكر حالة أهل النار الفظيعة ، الذين نابذوا رسله ، وحاربوهم ، قال : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي : بالحجة والبرهان ، والنصر. (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) أي : في الآخرة بالحكم ، ولأتباعهم بالثواب. ولمن حاربهم بشدة العذاب.
[٥٢] (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) حين يعتذرون (وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) أي : الدار السيئة ، التي تسوء نازليها.
[٥٣] لما ذكر ما جرى لموسى وفرعون ، وما آل إليه أمر فرعون وجنوده ، ثم ذكر الحكم العام الشامل له ، ولأهل النار ، ذكر أنه أعطى موسى (الْهُدى) أي : الآيات ، والعلم ، الذي يهتدي به المهتدون. (وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ