ولكنه يريد أن يحتاط فرعون ، ويختبر الأمر بنفسه ، قال الله تعالى في بيان الذي حمله على هذا القول : (وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ) فزين له العمل السيّء ، فلم يزل الشيطان يزينه ، وهو يدعو إليه ويحسنه ، حتى رآه حسنا ، ودعا إليه وناظر فيه مناظرة المحقين ، وهو من أعظم المفسدين. (وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) الحق ، بسبب الباطل الذي زين له. (وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ) الذي أراد أن يكيد به الحق ، ويوهم به الناس أنه محق ، وأن موسى مبطل (إِلَّا فِي تَبابٍ) أي : خسار وبوار ، لا يفيده إلا الشقاء ، في الدنيا والآخرة.
[٣٨] (وَقالَ الَّذِي آمَنَ) معيدا نصيحته لقومه : (يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ) لا كما يقول لكم فرعون ، فإنه لا يهديكم إلا طريق الغي والفساد.
[٣٩] (يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) يتمتع بها ويتنعم قليلا ، ثم تنقطع وتضمحل. فلا تغرنكم وتخدعنكم عمّا خلقتم له (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ) التي هي محل الإقامة ، ومنزل السكون والاستقرار ، فينبغي لكم أن تؤثروها ، وتعملوا لها عملا يسعدكم فيها.
[٤٠] (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً) من شرك أو فسوق أو عصيان (فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) أي : لا يجازى إلا بما يسوؤه ويحزنه ، بقدر إساءته ، وما تستحقه ؛ لأن جزاء السيئة السوء. (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) من أعمال القلوب والجوارح ، وأقوال اللسان (وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) أي : يعطون أجرهم بلا حد ولا وعد ، بل يعطيهم الله ما لا تبلغه أعمالهم.
[٤١] (وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ) بما قلت لكم (وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) بترك اتباع نبي الله موسى عليهالسلام. ثم فسر ذلك فقال :
[٤٢] (تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) أنه يستحق أن يعبد من دون الله ، والقول على الله بلا علم ، من أكبر الذنوب وأقبحها. (وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ) الذي له القوة كلها ، وغيره ليس بيده من الأمر شيء. (الْغَفَّارِ) الذي يسرف العباد على أنفسهم ويتجرؤون على مساخطه. ثم إذا تابوا ، وأنابوا إليه ، كفّر عنهم السيئات والذنوب ، ودفع موجباتها ، من العقوبات الدنيوية والأخروية.
[٤٣] (لا جَرَمَ) أي : حقا يقينا (أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ) أي : لا يستحق الدعوة إليه والحق على اللجأ إليه ، في الدنيا ، ولا في الآخرة ، لعجزه ونقصه ، وأنه لا يملك نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ، ولا نشورا. (وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ) تعالى فسيجازي كل عامل بعمله. (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) وهم الذين أسرفوا على أنفسهم ، بالتجرّؤ على ربهم ، بمعاصيه ، والكفر به ، دون غيرهم.
[٤٤] فلما نصحهم وحذرهم ، وأنذرهم ، ولم يطيعوه ، ولا وافقوه ، قال لهم : (فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ) من هذه النصيحة ، وسترون مغبة عدم قبولها ، حين يحل بكم العقاب ، وتحرمون جزيل الثواب. (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) أي : ألجأ إليه وأعتصم ، وألقي أموري كلها لديه ، وأتوب عليه في مصالحي ، ودفع الضرر الذي يصيبني منكم ، أو من غيركم. (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) يعلم أحوالهم وما يستحقون : يعلم حالي وضعفي فيمنعني