ونحوه ، من باب أولى وأحرى ، أن لا يقع قبل النكاح ، كما هو أصح قولي العلماء. وعلى جواز الطلاق ، لأن الله أخبر به عن المؤمنين ، على وجه لم يلمهم عليه ، ولم يؤنبهم ، مع تصدير الآية بخطاب المؤمنين. وعلى جوازه قبل المسيس ، كما قال في الآية الأخرى : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ). وعلى أن المطلقة قبل الدخول ، لا عدة لها ، بل بمجرد طلاقها يجوز لها التزوج ، حيث لا مانع ، وعلى أن عليها العدة ، بعد الدخول. وهل المراد بالدخول والمسيس الوطء ، كما هو مجمع عليه؟ أو ، وكذلك الخلوة ، ولو لم يحصل معها وطء ، كما أفتى بذلك الخلفاء الراشدون ، وهو الصحيح. فمتى دخل عليها ، وطئها ، أم لا ، إذا خلا بها ، وجب عليها العدة. وعلى أن المطلقة قبل المسيس ، تمتع على الموسع قدره ، وعلى المقتر قدره ، ولكن هذا إذا لم يفرض لها مهر ، فإن كان لها مهر مفروض ، فإنه إذا طلق قبل الدخول ، تنصّف المهر ، وكفى عن المتعة. وعلى أنه ينبغي لمن فارق زوجته قبل الدخول أو بعده ، أن يكون الفراق جميلا ، يحمد فيه كلّ منهما الآخر. ولا يكون غير جميل ، فإن في ذلك من الشر المترتب عليه ، من قدح كلّ منهما بالآخر ، شيء كثير. وعلى أن العدة حق للزوج. فقوله : (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ) دل مفهومه ، أن لو طلقها بعد المسيس ، كان له عليها عدة. وعلى أن المفارقة بالوفاة ، تعتد مطلقا ، لقوله : (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ) الآية. وعلى أن من عدا غير المدخول بها ، من المفارقات من الزوجات ، بموت أو حياة ، عليهن العدة.
[٥٠] يقول تعالى ، ممتنا على رسوله بإحلاله له ما أحل مما يشترك فيه هو والمؤمنون ، وما ينفرد به ويختص : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ) أي : أعطيتهن مهورهن ، من الزوجات. وهذا من الأمور المشتركة بينه وبين المؤمنين ، فإن المؤمنين كذلك ، يباح لهم من آتوهن أجورهن من الأزواج. (وَ) كذلك أحللنا لك (وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) أي : الإماء الّتي ملك (مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) من غنيمة الكفار من عبيدهم ، والأحرار من لهن زوج منهم ، ومن لا زوج لهن ، وهذا أيضا مشترك. وكذلك من المشترك ، قوله : (وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ) شمل العم والعمة ، والخال والخالة ، القريبين والبعيدين ، وهذا حصر المحللات. يؤخذ من مفهومه أن ما عداهن من الأقارب ، غير محلل ، كما تقدم في سورة النساء. فإنه لا يباح من الأقارب من النساء ، غير هؤلاء الأربع ، وما عداهن من الفروع مطلقا ، والأصول مطلقا ، إلا فروع الأب والأم ، وإن نزلوا ، وفروع من فوقهم لصلبه ، فإنه لا يباح. وقوله : (اللَّاتِي هاجَرْنَ) قيد لحل هؤلاء للرسول ، كما هو الصواب من القولين ، في تفسير هذه الآية. وأما غيره عليه الصلاة والسّلام ، فقد علم أن هذا قيد لغير الصحة. (وَ) أحللنا لك (امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) بمجرد هبتها نفسها. (إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) أي : هذا تحت الإرادة والرغبة. (خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) يعني : إباحة الموهوبة. وأما المؤمنون ، فلا يحل لهم أن يتزوجوا امرأة بمجرد هبتها نفسها لهم. (قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) أي : قد علمنا ما على المؤمنين ، وما يحل لهم ، وما لا يحل ، من الزوجات وملك اليمين. وقد أعلمناهم بذلك ، وبينا فرائضه. فما في هذه الآية ، مما يخالف ذلك ، فإنه خاص ، لكون الله جعله خطابا للرسول وحده بقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ) إلى آخر الآية. وقوله : (خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أي : وأبحنا لك يا أيها النبي ما لم نبح لهم ، ووسعنا عليك ما لم نوسع على غيرك. (لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ) وهذا من زيادة اعتناء الله تعالى برسوله صلىاللهعليهوسلم. (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) أي : لم يزل متصفا بالمغفرة والرحمة ، وينزل على عباده من مغفرته ورحمته ، وجوده وإحسانه ، ما اقتضته حكمته ، ووجدت منهم أسبابه.
[٥١] وهذا أيضا من توسعة الله على رسوله ورحمته به ، أن أباح له ترك القسم بين زوجاته ، على وجه الوجوب ، وأنه إن فعل ذلك ، فهو تبرع منه. ومع ذلك ، فقد كان صلىاللهعليهوسلم يجتهد في القسم بينهن في كلّ شيء ، ويقول : «اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما لا أملك».