فقال هنا : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ) أي : تؤخر من أردت من زوجاتك فلا تؤويها إليك ، ولا تبيت عندها. (وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) أي : تضمها وتبيت عندها. (وَ) مع ذلك لا يتعين هذا الأمر (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ) أي : أن تؤويها (مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ). والمعنى أن الخيرة بيدك في ذلك كله. وقال كثير من المفسرين : إن هذا خاص بالواهبات ، له أن يرجي من يشاء ، ويؤوي من يشاء. أي : إن شاء قبل من وهبت نفسها له ، وإن شاء لم يقبلها ، والله أعلم. ثمّ بيّن الحكمة في ذلك فقال : (ذلِكَ) أي : التوسعة عليك ، وكون الأمر راجعا إليك وبيدك ، وكون ما جاء منك إليهن تبرعا منك (أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَ) لعلمهن أنك لم تترك واجبا ، ولم تفرط في حق لازم. (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ) أي : ما يعرض لها عند أداء الحقوق الواجبة والمستحبة ، وعند المزاحمة في الحقوق ، فلذلك شرع لك التوسعة يا رسول الله ، لتطمئن قلوب زوجاتك. (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً) أي : واسع العلم ، كثير الحلم. ومن علمه ، أن شرع لكم ما هو أصلح لأموركم ، وأكثر لأجوركم. ومن حلمه ، أن لم يعاقبكم بما صدر منكم ، وما أصرت عليهم قلوبكم من الشر.
[٥٢] وهذا شكر من الله ، الذي لم يزل شكورا ، لزوجات رسوله ، رضي الله عنهن ، حيث اخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، أن رحمهن ، وقصر رسوله عليهن فقال : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) زوجاتك الموجودات (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) أي : ولا أن تطلق بعضهن ، فتأخذ بدلها. فحصل بهذا ، أمنهن من الضرائر ، ومن الطلاق ، لأن الله قضى أنهن زوجاته في الدنيا والآخرة ، لا يكون بينه وبينهن فرقة. (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَ) أي : حسن غيرهن ، فلا يحللن لك (إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) أي : السراري ، فذلك جائز لك ، لأن المملوكات ، في كراهة الزوجات ، لسن بمنزلة الزوجات ، في الإضرار للزوجات. (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) أي : مراقبا للأمور ، وعالما بما إليه تؤول وقائما بتدبيرها على أكمل نظام ، وأحسن أحكام.
[٥٣] يأمر تعالى عباده المؤمنين ، بالتأدب مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، في دخول بيوته فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ) أي : لا تدخلوها بغير إذن للدخول فيها ، لأجل الطعام. وأيضا (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) أي : منتظرين استواءه ، ومتحينين نضجه ، أو سعة صدر بعد الفراغ منه. والمعنى : إنكم لا تدخلوا بيوت النبي إلا بشرطين : الإذن لكم بالدخول ، وأن يكون جلوسكم بمقدار الحاجة ، ولهذا قال : (وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) أي : قبل الطعام وبعده. ثمّ بيّن حكمة النهي وفائدته فقال : (إِنَّ ذلِكُمْ) أي : انتظاركم الزائد على الحاجة. (كانَ يُؤْذِي النَّبِيَ) أي : يتكلف منه ويشق عليه حبسكم إياه عن شؤون بيته ، وإشغاله فيه (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) أن يقول لكم : «اخرجوا» كما هو جاري العادة ، أن الناس ـ وخصوصا أهل الكرم منهم ـ يستحيون أن يخرجوا الناس من مساكنهم. (وَ) لكن (اللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ). فالأمر الشرعي ، ولو كان يتوهم أن في تركه أدبا وحياء ، فإن الحزم كلّ الحزم ، اتباع الأمر