ما يدعو إليه ، وذكر تفاصيل ما يدعو إليه ، بتعريفهم لربهم بصفاته المقدسة ، وتنزيهه عمّا لا يليق بجلاله ، وذكر أنواع العبودية ، والدعوة إلى الله بأقرب طريق موصل إليه ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وإخلاص الدعوة إلى الله ، لا إلى نفسه وتعظيمها ، كما قد يعرض ذلك لكثير من النفوس في هذا المقام. وذلك كله (بِإِذْنِهِ) تعالى له في الدعوة وأمره وإرادته وقدره. الخامس : كونه (سِراجاً مُنِيراً) ، وذلك يقتضي أن الخلق في ظلمة عظيمة ، لا نور يهتدى به في ظلماتها ، ولا علم يستدل به في جهاتها. حتى جاء الله بهذا النبي الكريم ، فأضاء الله به تلك الظلمات ، وعلم به من الجهالات ، وهدى به ضلالا إلى الصراط المستقيم. فأصبح أهل الاستقامة ، قد وضّح لهم الطريق ، فمشوا خلف هذا الإمام وعرفوا به الخير والشر ، وأهل السعادة من أهل الشقاوة ، واستناروا به ، لمعرفة معبودهم ، وعرفوه بأوصافه الحميدة ، وأفعاله السديدة ، وأحكامه الرشيدة.
[٤٧] وقوله : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) (٤٧) ذكر في هذه الجملة ، المبشّرين ، وهم المؤمنون ، وعند ذكر الإيمان بمفرده ، تدخل فيه الأعمال الصالحة. وذكر المبشّر به ، وهو الفضل الكبير ، أي : العظيم الجليل ، الذي لا يقادر قدره ، من النصر في الدنيا ، وهداية القلوب ، وغفران الذنوب ، وكشف الكروب ، وكثرة الأرزاق الدارّة ، وحصول النعم السارة ، والفوز برضا ربهم وثوابه ، والنجاة من سخطه وعقابه. وهذا مما ينشط العاملين ، أن يذكر لهم ، من ثواب الله على أعمالهم ، ما به يستعينون على سلوك الصراط المستقيم. وهذا من جملة حكم المشرع ، كما أن من حكمه ، أن يذكر في مقام الترهيب ، العقوبات المترتبة على ما يرهب منه ، ليكون عونا على الكف عمّا حرّم الله. ولما كان ثمّ طائفة من الناس ، مستعدة للقيام بصد الداعين إلى الله ، من الرسل وأتباعهم ، وهم المنافقون ، الّذين أظهروا الموافقة في الإيمان ، وهم كفرة فجرة في الباطن ، والكفار ظاهرا وباطنا ، نهى الله رسوله عن طاعتهم ، وحذره ذلك فقال :
[٤٨] (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) أي : في كلّ أمر يصد عن سبيل الله. ولكن لا يقتضي هذا أذاهم ، بل لا تطعهم (وَدَعْ أَذاهُمْ) فإن ذلك ، جالب لهم ، وداع إلى قبول الإسلام ، وإلى كف كثير من أذيتهم له ، ولأهله. (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في إتمام أمرك ، وخذلان عدوك. (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) توكل إليه الأمور المهمة ، فيقوم بها ، ويسهلها على عبده.
[٤٩] يخبر تعالى المؤمنين ، أنهم إذا نكحوا المؤمنات ، ثمّ طلقوهن من قبل أن يمسوهن ، فليس عليهن في ذلك عدة تعتدها أزواجهن عليهن. وأمرهم بتمتيعهن بهذه الحالة ، بشيء من متاع الدنيا ، الذي يكون فيه جبر لخواطرهن ، لأجل فراقهن ، وأن يفارقوهن فراقا جميلا ، من غير مخاصمة ، ولا مشاتمة ، ولا مطالبة ، ولا غير ذلك. ويستدل بهذه الآية ، على أن الطلاق ، لا يكون إلا بعد النكاح. فلو طلقها قبل أن ينكحها ، أو علّق طلاقها على نكاحها ، لم يقع ، لقوله : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ) فجعل الطلاق بعد النكاح. فدل على أنه قبل ذلك لا محل له. وإذا كان الطلاق الذي هو فرقة تامة ، وتحريم تام ، لا يقع قبل النكاح ، فالتحريم الناقص ، لظهار ، أو إيلاء