[٤٠] أي : و (ما كانَ) الرسول (مُحَمَّدٌ) صلىاللهعليهوسلم (أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) أيها الأمة. فقطع انتساب زيد بن حارثة منه ، من هذا الباب. ولما كان هذا النفي عاما في جميع الأحوال ، إن ظاهر اللفظ على ظاهره ، أي ؛ لا أبوة نسب ، ولا أبوة ادعاء ، وكان قد تقرر فيما تقدم أن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، أب للمؤمنين كلهم ، وأزواجه أمهاتهم احترز أن يدخل في هذا النوع ، بعموم النهي المذكور فقال : (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) أي : هذه مرتبته مرتبة المطاع المتبوع ، المهتدى به ، المؤمن له الذي يجب تقديم محبته ، على محبة كلّ أحد ، الناصح الذي لهم ، أي : للمؤمنين ، من بره ونصحه ، كأنه أب لهم. (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) أي : قد أحاط علمه بجميع الأشياء ، ويعلم حيث يجعل رسالاته. ومن يصلح لفضله ، ومن لا يصلح.
[٤١] يأمر تعالى المؤمنين ، بذكره ذكرا كثيرا ، من تهليل ، وتحميد ، وتسبيح ، وتكبير وغير ذلك ، من كلّ قول فيه قربة إلى الله. وأقل ذلك ، أن يلازم الإنسان أوراد الصباح ، والمساء ، وأدبار الصلوات الخمس ، وعند العوارض والأسباب. وينبغي مداومة ذلك ، في جميع الأوقات ، على جميع الأحوال. فإن ذلك ، عبادة يسبق بها العامل ، وهو مستريح ، وداع إلى محبة الله ومعرفته ، وعون على الخير ، وكف اللسان عن الكلام القبيح. (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٤٢) أي : أول النهار وآخره ، لفضلهما ، وشرفهما ، وسهولة العمل فيهما.
[٤٢] (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (٤٣) أي ؛ من رحمته بالمؤمنين ولطفه بهم ، أن جعل من صلاته عليهم ، وثنائه ، وصلاة ملائكته ودعائهم ، ما يخرجهم من ظلمات الذنوب والجهل ، إلى نور الإيمان ، والتوفيق ، والعلم ، والعمل. فهذه أعظم نعمة ، أنعم بها على العباد الطائعين ، تستدعي منهم شكرها ، والإكثار من ذكر الله ، الذي لطف بهم ورحمهم ، وجعل حملة عرشه ، أفضل الملائكة ، ومن حوله ، يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا فيقولون : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٩). فهذه رحمته ونعمته عليهم في الدنيا. وأما رحمته بهم في الآخرة ، فأجل رحمة ، وأفضل ثواب ، وهو الفوز برضا ربهم ، وتحيته ، واستماع كلامه الجليل ، ورؤية وجهه الجميل ، وحصول الأجر الكبير ، الذي لا يدريه ولا يعرف كنهه ، إلا من أعطاهم إياه ، ولهذا قال :
[٤٤] (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) (٤٤).
[٤٥ ـ ٤٦] هذه الأشياء ، الّتي وصف بها رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم ، هي المقصود من رسالته ، وزبدتها وأصولها ، الّتي اختص بها وهي خمسة أشياء : أحدها : كونه (شاهِداً) أي : شاهدا على أمته بما عملوه ، من خير وشر ، كما قال تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (٤١). فهو صلىاللهعليهوسلم شاهد عدل مقبول. الثاني ، والثالث : كونه (مُبَشِّراً وَنَذِيراً) وهذا يستلزم ذكر المبشر والمنذر ، وما يبشر به وينذر ، والأعمال الموجبة لذلك. فالمبشّرون : المؤمنون المتقون ، الّذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح ، وترك المعاصي. لهم البشرى في الحياة الدنيا ، بكل ثواب دنيوي وديني ، رتب على الإيمان والتقوى. وفي الأخرى بالنعيم المقيم. وذلك كله يستلزم ، ذكر تفصيل المذكور ، من تفاصيل الأعمال ، وخصال التقوى ، وأنواع الثواب. والمنذرون ، هم : المجرمون الظالمون ، أهل الظلم والجهل. لهم النذارة في الدنيا ، من العقوبات الدنيوية والدينية ، المترتبة على الجهل والظلم. وفي الأخرى ، بالعقاب الوبيل ، والعذاب الطويل. وهذه الجملة تفصيلها ، ما جاء به صلىاللهعليهوسلم ، من الكتاب والسنّة ، المشتمل على ذلك. الرابع : كونه (داعِياً إِلَى اللهِ) أي : أرسله الله يدعو الخلق إلى ربهم ، ويشوقهم لكرامته ، ويأمرهم بعبادته ، الّتي خلقوا لها. وذلك يستلزم استقامته ، على