والإرشاد ، والتعليم ، حين جاءك مشاورا في فراقها : فقلت : له ـ ناصحا له ومخبرا بمصلحته ، مقدما لها على رغبتك ، مع وقوعها في قلبك : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) أي : لا تفارقها ، واصبر على ما جاءك منها. (وَاتَّقِ اللهَ) تعالى في أمورك عامة ، وفي أمر زوجك خاصة فإن التقوى تحث على الصبر ، وتأمر به. (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) والذي أخفاه ، أنه لو طلقها زيد ، لتزوجها صلىاللهعليهوسلم. (وَتَخْشَى النَّاسَ) في عدم إبداء ما في نفسك (وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ). فإن خشيته جالبة لكلّ خير ، مانعة من كلّ شر. (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) أي : طابت نفسه ، ورغب عنها ، وفارقها. (زَوَّجْناكَها) وإنّما فعلنا ذلك ، لفائدة عظيمة ، وهي : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) حيث رأوك تزوجت ، زوج زيد بن حارثة ، الذي كان من قبل ، ينتسب إليك. ولما كان قوله : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) عاما في جميع الأحوال ، وكان من الأحوال ، ما لا يجوز ذلك ، وهو قبل انقضاء وطره منها ، قيد ذلك بقوله : (إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) أي : لا بد من فعله ، ولا عائق له ولا مانع. وفي هذه الآيات المشتملات على هذه القصة ، فوائد : منها : الثناء على زيد بن حارثة ، وذلك من وجهين : أحدهما : أن الله سماه في القرآن ، ولم يسم من الصحابة باسمه غيره. والثاني : أن الله أخبر أنه أنعم عليه ، أي : بنعمة الإسلام والإيمان ، وهذه شهادة من الله له أنه مسلم مؤمن ، ظاهرا وباطنا ، وإلا فلا وجه لتخصيصه بالنعمة ، إلا أن المراد بها ، النعمة الخاصة. ومنها : أن المعتق في نعمة المعتق. ومنها : جواز تزوج زوجة الدّعيّ ، كما صرّح به. ومنها : أن التعليم الفعلي ، أبلغ من القولي ، خصوصا إذا اقترن بالقول ، فإن ذلك نور على نور. ومنها : أن المحبة في قلب العبد ، لغير زوجته ومملوكته ، ومحارمه ، إذا لم يقترن بها محذور ، لا يأثم عليها العبد ، ولو اقترن بذلك أمنيته ، أن لو طلقها زوجها ، لتزوجها من غير أن يسعى في فرقة بينهما ، أو يتسبب بأي سبب كان. لأن الله أخبر ، الرسول صلىاللهعليهوسلم أنه أخفى ذلك في نفسه. ومنها : أن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، قد بلغ البلاغ المبين ، فلم يدع شيئا مما أوحى إليه ، إلا وبلغه ، حتى هذا الأمر ، الذي فيه عتابه. وهذا يدل ، على أنه رسول الله ، ولا يقول إلا ما أوحي إليه ولا يريد تعظيم نفسه. ومنها : أن المستشار مؤتمن ، يجب عليه ـ إذا استشير في أمر من الأمور ـ أن يشير بما يعمله أصلح للمستشير ، ولو لم يكن للمستشار حظ نفس ، بتقدم مصلحة المستشير على هوى نفسه وغرضه. ومنها : أن الرأي الحسن لمن استشار في فراق زوجة أن يؤمر بإمساكها مهما أمكن صلاح الحال ، فهو أحسن من الفرقة. ومنها : أنه يتعين ، أن يقدم العبد خشية الله ، على خشية الناس ، وأنها أحق منها وأولى. ومنها : فضيلة أم المؤمنين ، زينب رضي الله عنها ، حيث تولى الله تزويجها ، من رسوله صلىاللهعليهوسلم ، دون خطبة ولا شهود ، ولهذا كانت تفتخر بذلك على أزواج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتقول : زوجكن أهاليكن ، وزوجني الله من فوق سبع سموات. ومنها : أن المرأة ، إذا كانت ذات زوج ، لا يجوز نكاحها ، ولا السعي فيه وفي أسبابه ، حتى يقضي زوجها وطره منها ، ولا يقضي وطره ، حتى تنقضي عدتها ، لأنها قبل انقضاء عدتها ، هي في عصمته ، أو في حقه الذي له وطر إليها ، ولو من بعض الوجوه.
[٣٨] هذا دفع لطعن من طعن في الرسول صلىاللهعليهوسلم ، في كثرة أزواجه ، وأنه طعن ، بما لا مطعن فيه فقال : (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ) أي : إثم وذنب. (فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ) أي : قدر له من الزوجات ، فإن هذا ، قد أباحه الله له ، كما أباحه للأنبياء قبله ، ولهذا قال : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) أي : لا بد من وقوعه.
[٣٩] (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ) فيتلون على العباد آيات الله ، وحججه وبراهينه ، ويدعونهم إلى الله (وَيَخْشَوْنَهُ) وحده لا شريك له (وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً) إلا الله. فإذا كان هذا سنّة في الأنبياء المعصومين ، الّذين وظيفتهم قد أدوها وقاموا بها ، أتم القيام ، وهو : دعوة الخلق إلى الله ، والخشية منه وحده الّتي تقتضي فعل كل مأمور ، وترك كلّ محظور. (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) محاسبا عباده ، مراقبا أعمالهم. وعلم من هذا ، أن النكاح ، من سنن المرسلين.