النساء ، ذكر بقية النساء غيرهن. ولما كان حكمهن وحكم الرجال واحد ، جعل الحكم مشتركا فقال : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) وهذا في الشرائع الظاهرة ، إذا كانوا قائمين بها. (وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) وهذا في الأمور الباطنة ، من عقائد القلب وأعماله. (وَالْقانِتِينَ) أي : المطيعين لله ولرسوله (وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ) في مقالهم وفعالهم (وَالصَّادِقاتِ). (وَالصَّابِرِينَ) على الشدائد والمصائب (وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ) في جميع أحوالهم ، خصوصا في عباداتهم ، ولا سيما في صلواتهم (وَالْخاشِعاتِ). (وَالْمُتَصَدِّقِينَ) فرضا ونفلا (وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ) شمل ذلك ، الفرض والنفل. (وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ) عن الزنا ومقدماته ، (وَالْحافِظاتِ). (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً) أي : في أكثر الأوقات ، خصوصا أوقات الأوراد المقيدة ، كالصباح والمساء ، أو بالصلوات المكتوبات (وَالذَّاكِراتِ. أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ) أي : لهؤلاء الموصوفين بتلك الصفات الجميلة ، والمناقب الجليلة ، الّتي هي ما بين اعتقادات ، وأعمال قلوب ، وأعمال جوارح ، وأقوال لسان ، ونفع متعد وقاصر ، وما بين أفعال الخير ، وترك الشر ، الذي من قام بهن ، فقد قام بالدين كله ، ظاهره وباطنه ، بالإسلام والإيمان والإحسان. فجزاهم على عملهم (مَغْفِرَةً) لذنوبهم ؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات. (وَأَجْراً عَظِيماً) لا يقدر قدره ، إلا الذي أعطاه ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، نسأل الله أن يجعلنا منهم.
[٣٦] (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) أي : لا ينبغي ولا يليق ، من اتصف بالإيمان ، إلا الإسراع في مرضاة الله ورسوله ، والهرب ، من سخط الله ورسوله ، وامتثال أمرهما ، واجتناب نهيهما. فلا يليق بمؤمن ولا مؤمنة (إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً) من الأمور ، وحتّما به وألزما به (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) أي : الخيار ، هل يفعلونه أم لا؟ بل يعلم المؤمن والمؤمنة ، أن الرسول أولى به من نفسه. فلا يجعل بعض أهواء نفسه حجابا بينه وبين أمر الله ورسوله. (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) أي : بيّنا ؛ لأنه ترك الصراط المستقيم الموصلة إلى كرامة الله ، إلى غيرها ، من الطرق الموصلة للعذاب الأليم. فذكر أولا ، السبب الموجب لعدم معارضة أمر الله ورسوله ، وهو الإيمان. ثمّ ذكر المانع من ذلك ، وهو التخويف بالضلال ، الدال على العقوبة والنكال.
[٣٧] وكان سبب نزول هذه الآيات ، أن الله تعالى ، أراد أن يشرع شرعا عاما للمؤمنين ، أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة ، من جميع الوجوه وأن أزواجهم ، لا جناح على من تبناهم ، في نكاحهن. وكان هذا من الأمور المعتادة ، الّتي لا تكاد تزول إلا بحادث كبير ، فأراد أن يكون هذا الشرع قولا من رسوله ، وفعلا ، وإذا أراد الله أمرا ، جعل له سببا. فكان زيد بن حارثة يدعى «زيد بن محمد» قد تبناه النبي صلىاللهعليهوسلم ، فصار يدعى إليه حتى نزل : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) فقيل له : «زيد بن حارثة». وكانت تحته ، زينب بنت جحش ، ابنة عمة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان قد وقع في قلب الرسول ، لو طلقها زيد ، لتزوّجها. فقدر الله أن يكون بينها وبين زيد ، ما اقتضى أن جاء زيد بن حارثة ، يستأذن النبي صلىاللهعليهوسلم في فراقها. قال الله : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) أي : بالإسلام (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بالعتق