الذي فيه خضوع المرأة للرجل ، وانكسارها عنده. والخاضع ، هو الذي يطمع فيه. بخلاف من تكلم كلاما لينا ، ليس فيه خضوع ، بل ربما صار فيه ترفع وقهر للخصم ، فإن هذا ، لا يطمع فيه خصمه. ولهذا مدح الله رسوله باللين فقال : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) وقال لموسى وهارون : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٤٤). ودلّ قوله : (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) مع أمره بحفظ الفرج وثنائه على الحافظين لفروجهم والحافظات ، ونهيه عن قربان الزنا ، أنه ينبغي للعبد ، إذا رأى من نفسه هذه الحالة ، وأنه يهش لفعل المحرم عند ما يرى ، أو يسمع كلام من يهواه ، ويجد دواعي طمعه قد انصرفت إلى الحرام. فليعرف أن ذلك مرض. فليجتهد في إضعاف هذا المرض وحسم الخواطر الردية ، ومجاهدة نفسه على سلامتها من هذا المرض الخطر ، وسؤال الله العصمة والتوفيق ، وأن ذلك من حفظ الفرج المأمور به.
[٣٣] (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) أي : اقررن فيها ، لأنه أسلم وأحفظ لكنّ. (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) أي : لا تكثرن الخروج متجمّلات أو متطيبات ، كعادة أهل الجاهلية الأولى ، الّذين لا علم عندهم ولا دين ، فكل هذا دفع للشر وأسبابه. ولما أمرهن بالتقوى عموما ، وبجزئيات من التقوى ، نص عليها لحاجة النساء إليها كذلك ، أمرهن بالطاعة ، خصوصا الصلاة والزكاة ، اللتان يحتاجهما ، ويضطر إليهما كلّ أحد ، وهما أكبر العبادات ، وأجلّ الطاعات. وفي الصلاة ، الإخلاص للمعبود ، وفي الزكاة ، الإحسان إلى العبيد. ثمّ أمرهن بالطاعة عموما ، فقال : (وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) يدخل في طاعة الله ورسوله ، كل أمر ، أمرا به أمر إيجاب أو استحباب. (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) بأمركن بما أمركنّ به ، ونهيكن عمّا نهاكنّ عنه. (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) أي : الأذى ، والشر ، والخبث ، يا (أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) حتى تكونوا طاهرين مطهرين. أي : فاحمدوا ربكم ، واشكروه على هذه الأوامر والنواهي ، الّتي أخبركم بمصلحتها ، وأنها محض مصلحتكم ، لم يرد الله أن يجعل عليكم بذلك حرجا ولا مشقة ، بل لتتزكى نفوسكم ، وتتطهر أخلاقكم ، وتحسن أعمالكم ويعظم بذلك أجركم. ولما أمرهن بالعمل ، الذي هو فعل وترك ، أمرهن بالعلم ، وبين لهن طريقه فقال :
[٣٤] (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ) والمراد بآيات الله ، القرآن ، والحكمة : أسراره ، وسنّة رسوله. وأمرهن بذكره ، يشمل ذكر لفظه ، بتلاوته ، وذكر معناه ، بتدبره والتفكر فيه ، واستخراج أحكامه وحكمه ، وذكر العمل به وتأويله. (إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً) يدرك سرائر الأمور ، وخفايا الصدور ، وخبايا السموات والأرض ، والأعمال الّتي تبين وتسر. فلطفه وخبرته ، يقتضي حثهن على الإخلاص وإسرار الأعمال ، ومجازاة الله على تلك الأعمال. ومن معاني «اللطيف» الذي يسوق عبده إلى الخير ، ويعصمه من الشر ، بطرق خفية لا يشعر بها ، ويسوق إليه من الرزق ، ما لا يدريه ، ويريه من الأسباب ، الّتي تكرهها النفوس : ما يكون ذلك طريقا له ، إلى أعلى الدرجات ، وأرفع المنازل.
[٣٥] لما ذكر تعالى ثواب زوجات الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وعقابهن لو قدر عدم الامتثال ، وأنه ليس مثلهن أحد من