أعطى ، وإن شاء منع (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ). ومنها : تنزيهه عمّا لو كان فيهن من تؤثر الدنيا على الله ورسوله ، والدار الآخرة ، وعن مقارنتها. ومنها : سلامة زوجاته ، رضي الله عنهن ، عن الإثم ، والتعرض لسخط الله ورسوله. فحسم الله بهذا التخيير عنهن ، التسخط على الرسول ، الموجب لسخطه ، المسخط لربه ، الموجب لعقابه. ومنها : إظهار رفعتهن ، وعلو درجتهن ، وبيان علو هممهن ، أن كان الله ورسوله والدار الآخرة ، مرادهن ومقصودهن ، دون الدنيا وحطامها. ومنها : استعدادهن بهذا الاختيار ، للأمر المختار للوصول إلى خيار درجات الجنة ، وأن يكنّ زوجاته في الدنيا والآخرة. ومنها : ظهور المناسبة بينه وبينهن ، فإنه أكمل ، وأراد الله أن تكون نساؤه ، كاملات مكملات ، طيبات مطيبات (وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ). ومنها : أن هذا التخيير داع ، وموجب للقناعة ، الّتي يطمئن لها القلب ، وينشرح لها الصدر ، ويزول عنهن جشع الحرص ، وعدم الرضا الموجب لقلق القلب واضطرابه ، وهمه وغمه. ومنها : أن يكون اختيارهن هذا ، سببا لزيادة أجرهن ومضاعفته ، وأن يكنّ بمرتبة ليس فيها أحد من النساء ، ولهذا قال : (يا نِساءَ النَّبِيِ) إلى (رِزْقاً كَرِيماً).
[٣٠] لما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، ذكر مضاعفة أجرهن ، ومضاعفة وزرهن وإثمهن لو جرى منهن ، ليزداد حذرهن ، وشكرهن الله تعالى ، فجعل لمن أتى منهن بفاحشة ظاهرة ، العذاب ضعفين.
[٣١] (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَ) أي : تطيع (لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً) قليلا أو كثيرا. (نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) أي : مثل ما نعطي غيرها مرتين (وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً) وهي الجنة. فقنتن لله ورسوله ، وعملن صالحا ، فعلم بذلك أجرهن.
[٣٢] يقول تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِ) خطاب لهن كلهن (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَ) الله ، فإنكن بذلك تفقن النساء ، ولا يلحقكن أحد من النساء ، فكملن التقوى بجميع وسائلها ومقاصدها. فلهذا أرشدهن إلى قطع وسائل المحرم فقال : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) أي : في مخاطبة الرجال ، أو بحيث يسمعون فتلنّ في ذلك ، وتتكلمن بكلام رقيق. (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) أي : مرض شهوة الحرام ، فإنه مستعد ، ينتظر أدنى محرك يحركه ، لأن قلبه غير صحيح ، فإن القلب الصحيح ، ليس فيه شهوة لما حرم الله ، فإن ذلك لا تكاد تميله ولا تحركه الأسباب ، لصحة قلبه ، وسلامته من المرض. بخلاف مريض القلب ، الذي لا يتحمل ما يتحمل الصحيح ، ولا يصبر على ما يصبر عليه. فأدنى سبب يوجد ، ويدعوه إلى الحرام ، يجيب دعوته ، ولا يتعاصى عليه. فهذا دليل على أن الوسائل ، لها أحكام المقاصد. فإن الخضوع بالقول ، واللين فيه ، في الأصل مباح. ولكن لما كان وسيلة إلى المحرم ، منع منه. ولهذا ينبغي للمرأة في مخاطبة الرجال ، أن لا تلين لهم القول. ولما نهاهن عن الخضوع في القول ، فربما توهم أنهن مأمورات بإغلاظ القول ، دفع هذا بقوله : (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) أي : غير غليظ ، ولا جاف كما أنه ليس بليّن خاضع. وتأمل كيف قال : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) ولم يقل : «فلا تلنّ بالقول» وذلك لأن المنهي عنه ، القول اللين ،