ذنبا ، واستغفر الله منه.
ومنها : أن الذي يقتل النفوس بغير حق ، يعد من الجبارين ، الذين يفسدون في الأرض.
ومنها : أن من قتل النفوس بغير حق ، وزعم أنه يريد الإصلاح في الأرض ، وتهييب أهل المعاصي ، فإنه كاذب في ذلك ، وهو مفسد كما حكى الله قول القبطي : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) على وجه التقرير له ، لا الإنكار.
ومنها : أن إخبار الرجل غيره بما قيل فيه ، على وجه التحذير له من شر يقع فيه ، لا يكون ذلك نميمة ـ بل قد يكون واجبا ـ كما أخبر ذلك الرجل موسى ، ناصحا له ومحذرا.
ومنها : أنه إذا خاف القتل والتلف في الإقامة ، فإنه لا يلقي بيده إلى التهلكة ، ولا يستسلم لذلك ، بل يذهب عنه ، كما فعل موسى.
ومنها : أنه عند تزاحم المفسدتين ، إذا كان لا بد من ارتكاب إحداهما فإنه يرتكب الأخف منهما والأسلم. كما أن موسى ، لما دار الأمر بين بقائه في مصر ، ولكنه يقتل ، أو يذهب إلى بعض البلدان البعيدة ، الّتي لا يعرف الطريق إليها ، وليس معه دليل يدله غير ربه ، ولكن هذه الحالة أرجى للسلامة من الأولى ، فتبعها موسى.
ومنها : أن الناظر في العلم عند الحاجة إلى التكلم فيه ، إذا لم يترجح عنده أحد القولين ، فإنه يستهدي ربه ، ويسأله أن يهديه الصواب من القولين ، بعد أن يقصد بقلبه الحق ، ويبحث عنه ، فإن الله لا يخيب من هذه حاله. كما خرج موسى تلقاء مدين فقال : (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ). ومنها : أن الرحمة بالخلق ، والإحسان على من يعرف ومن لا يعرف ، من أخلاق الأنبياء ، وأن من الإحسان سقي الماشية الماء ، وإعانة العاجز.
ومنها : استحباب الدعاء بتبيين الحال وشرحها ، ولو كان الله عالما لها ؛ لأنه تعالى ، يحب تضرع عبده وإظهار ذله ومسكنته ، كما قال موسى : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ). ومنها أن الحياء ـ خصوصا من الكرام ـ من الأخلاق الممدوحة. ومنها : أن المكافأة على الإحسان ، لم يزل دأب الأمم السابقين. ومنها : أن العبد إذا عمل العمل لله تعالى ، ثمّ حصل له مكافأة عليه ، من غير قصد بالقصد الأول ، فإنه لا يلام على ذلك ، كما قبل موسى مجازاة صاحب مدين ، عن معروفه الذي لم يبتغ له ، ولم يستشرف بقلبه على عوض. ومنها : مشروعية الإجارة ، وأنها تجوز على رعاية الغنم ونحوها ، مما لا يقدر به العمل ، وإنّما مرده ، العرف.
ومنها : أن خطبة الرجل لابنته الذي يتخيره ، لا يلام عليه. ومنها : أن خير أجير وعامل يعمل للإنسان ، أن يكون قويا أمينا. ومنها : أن من مكارم الأخلاق ، أن يحسن خلقه لأجيره وخادمه ، ولا يشق عليه بالعمل لقوله : (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).
ومنها : جواز عقد الإجارة وغيرها من العقود ، من دون إشهاد لقوله : (وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ). ومنها : ما أجرى الله على يد موسى من الآيات البينات ، والمعجزات الظاهرة ، من الحية ، وانقلاب يده بيضاء من غير سوء ، ومن عصمة الله لموسى وهارون ، من فرعون ، ومن الغرق.
ومنها : أن من أعظم العقوبات أن يكون الإنسان إماما في الشر ، وذلك بحسب معارضته لآيات الله وبيناته. كما أن أعظم نعمة أنعم الله بها على عبده ، أن يجعله إماما في الخير هاديا مهديا. ومنها : ما فيها من الدلالة على رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ، حيث أخبر بذلك تفصيلا ، وتأصيلا موافقا ، قصه قصا ، صدّق به المرسلين ؛ وأيّد به الحقّ المبين ، من غير حضور شيء من تلك الوقائع ؛ ولا مشاهدة لموضع واحد من تلك المواضع ؛ ولا تلاوة درس فيها شيئا من هذه الأمور ؛ ولا مجالسة أحد من أهل العلم ؛ إن هو إلا رسالة الرحمن الرحيم ؛ ووحي أنزله عليه الكريم المنان ؛ لينذر به قوما جاهلين ؛ وعن النذر والرسل غافلين. فصلوات الله وسلامه ؛ على من مجرد خبره ينبىء أنه رسول الله ؛ ومجرد