[٣٠ ـ ٣١] (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ
الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا
مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٣٠) فأخبر بألوهيته ، وربوبيته. ويلزم من ذلك. أن يأمره بعبادته ، وتألهه
، كما صرح به في الآي الأخرى (فَاعْبُدْنِي
وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي). (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) فألقاها (فَلَمَّا رَآها
تَهْتَزُّ) تسعى سعيا شديدا ، ولها صورة مهيلة (كَأَنَّها جَانٌ) ذكر الحيات العظيم. (وَلَّى مُدْبِراً
وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي : يرجع ، لاستيلاء الروع على قلبه. فقال الله له : (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ
مِنَ الْآمِنِينَ) وهذا أبلغ ما يكون في التأمين ، وعدم الخوف. فإن قوله :
(أَقْبِلْ) يقتضي الأمر بإقباله ، ويجب عليه الامتثال. ولكن قد
يكون إقباله ، وهو لم يزل في الأمر المخوف. فقال : (وَلا تَخَفْ) أمر له بشيئين ، إقباله ، وأن لا يكون في قلبه خوف.
ولكن يبقى احتمال ، وهو أنه ، قد يقبل وهو غير خائف ، ولكن لا تحصل له الوقاية
والأمن من المكروه ، فلذلك قال : (إِنَّكَ مِنَ
الْآمِنِينَ) فحينئذ اندفع المحذور من جميع الوجوه. فأقبل موسى عليهالسلام ، غير خائف ، ولا مرعوب ، بل مطمئنا ، واثقا بخبر ربه ،
قد ازداد إيمانه ، وتم يقينه. فهذه آية ، أراه الله إياها ، قبل ذهابه إلى فرعون ،
ليكون على يقين تام ، فيكون أجرا له ، وأقوى وأصلب.
[٣٢] ثم أراه
الآية الأخرى فقال : (اسْلُكْ يَدَكَ) أي : أدخلها (فِي جَيْبِكَ
تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) فسلكها وأخرجها ، كما ذكر الله تعالى. (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ
الرَّهْبِ) أي : ضم جناحك وهو عضدك إلى جنبك ليزول عنك الرهب
والخوف. (فَذانِكَ) أي : انقلاب العصا حية ، وخروج اليد بيضاء من غير سوء. (بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ) أي : حجتان قاطعتان من الله. (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ
كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) فلا يكفيهم مجرد الإنذار وأمر الرسول إياهم ، بل لا بد
من الآيات الباهرة ، إن نفعت.
[٣٣ ـ ٣٤] (قالَ) موسى عليهالسلام ، معتذرا من ربه ، وسائلا له المعونة على ما حمله ،
وذاكرا له الموانع ، التي فيه ، ليزيل ربه ما يحذره منها. (رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً) أي : (فَأَخافُ أَنْ
يَقْتُلُونِ وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي
رِدْءاً) أي : معاونا ومساعدا (يُصَدِّقُنِي) فإنه مع تضافر الأخبار ، يقوى الحق (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ). فأجابه الله سؤاله فقال : (قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) أي : نعاونك به ونقويك.
[٣٥] ثم أزال عنه
محذور القتل ، فقال : (وَنَجْعَلُ لَكُما
سُلْطاناً) أي : تسلطا ، وتمكّنا من الدعوة ، والحجة ، والهيبة
الإلهية من عدوهما (فَلا يَصِلُونَ
إِلَيْكُما). وذلك بسبب آياتنا ، وما دلت عليه من الحق ، وما أزعجت
به من باشرها ونظر إليها. فهي التي بها حصل لكما السلطان ، واندفع بها عنكم ، كيد
عدوكم ، وصارت لكم أبلغ من الجنود ، أولي العدد والعدد. (أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا
الْغالِبُونَ) وهذا وعد لموسى في ذلك الوقت ، وهو وحده فريد ، وقد رجع
إلى بلده ، بعد ما كان شريدا. فلم تزل الأحوال تتطور ، والأمور تنتقل ، حتى أنجز
له موعوده ، ومكّنه من العباد والبلاد ، وصار له ولأتباعه ، الغلبة والظهور.
[٣٦] فذهب موسى
برسالة ربه (فَلَمَّا جاءَهُمْ
مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ) واضحات الدلالة على ما قال لهم ، ليس