فيها قصور ، ولا خفاء. (قالُوا) على وجه الظلم ، والعلو ، والعناد (ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً) كما قال فرعون : في تلك الحال ، التي ظهر فيها الحق ، واستعلى على الباطل ، واضمحل الباطل ، وخضع له الرؤساء العارفون حقائق الأمور (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) هذا ، وهو الذكي غير الزكي الذي بلغ من المكر والخداع والكيد ، ما قصه الله علينا وقد علم «ما أنزل هؤلاء إلّا رب السموات والأرض» ولكن الشقاء غالب. (وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) وقد كذبوا في ذلك ، فإن الله أرسل يوسف ، قبل موسى كما قال تعالى : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ).
[٣٧] (وَقالَ مُوسى) حين زعموا أن الذي جاءهم به سحر وضلال ، وأن ما هم عليه هو الهدى : (رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) أي : إذا لم تفد المقابلة معكم ، وتبيين الآيات البينات ، وأبيتم إلا التمادي في غيكم ، واللجاج على كفركم ، فالله تعالى العالم بالمهتدي وغيره ، ومن تكون له عاقبة الدار ، نحن أم أنتم (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ). فصار عاقبة الدار لموسى وأتباعه ، الفلاح ، والفوز. وصار لأولئك ، الخسار ، وسوء العاقبة والهلاك.
[٣٨] (وَقالَ فِرْعَوْنُ) متجرئا على ربه ، ومموها على قومه السفهاء ، وضعفاء العقول : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) أي : أنا وحدي ، إلهكم ومعبودكم ، ولو كان ثمّ إله غيري لعلمته. فانظر إلى هذا الورع التام من فرعون ، حيث لم يقل «ما لكم من إله غيري». وهذا ، لأنه عندهم العالم الفاضل ، الذي مهما قال : فهو الحقّ ، ومهما أمر أطاعوه. فلما قال هذه المقالة ، الّتي تحتمل أن ثمّ إلها غيره ، أراد أن يحقق النفي ، الذي جعل فيه ذلك الاحتمال ، فقال ل «هامان». (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) ليجعل له لبنا من فخار. (فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً) أي : بناء عاليا (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ). ولكن سنحقق هذا الظن ، ونريكم كذب موسى. فانظر هذه الجراءة العظيمة ، على الله ، الّتي ما بلغها آدمي. كذّب موسى ، وادّعى أنه الله ، ونفى أن يكون له علم بالإله الحقّ ، وفعل الأسباب ، ليتوصل إلى إله موسى ، وكلّ هذا ترويج. ولكن العجب من هؤلاء الملأ ، الّذين يزعمون أنهم كبار المملكة ، المدبرون لشؤونها ، كيف لعب هذا الرجل بعقولهم ، واستخف أحلامهم ، وهذا لفسقهم ، الذي صار صفة راسخة فيهم. فسد دينهم ، ثمّ تبع ذلك فساد عقولهم ، فنسألك اللهم الثبات على الإيمان ، وأن لا تزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وأن تهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
[٣٩] قال تعالى : (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) استكبروا على عباد الله ، وساموهم سوء العذاب ، واستكبروا على رسل الله ، وما جاءوهم به من الآيات. فكذبوها ، وزعموا أن ما هم عليه ، أعلى منها وأفضل. (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ) فلذلك تجرّؤوا. وإلا فلو علموا ، وظنّوا أنهم يرجعون إلى الله ، لما كان منهم ما كان.
[٤٠] (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ) عند ما استمر عنادهم وبغيهم (فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ